ليس بمقدور من يتابع جلسات البرلمان, ويطلع على حجم التحسين الذي يضيفه للنصوص المقترحة من الحكومة, والمبادرات التشريعية التي يطلع بها, ونوعية الخطاب داخله محتوى وأسلوبا ونبرة, أن يتمنع عن التساؤل هل يلعب البرلمان الدور الذي أنشئ من أجله؟ وهل الدور الذي يلعبه اليوم يستحق إنفاقه؟ وهل الفساد يقتصر على صرف المال العام بشكل مخالف للقانون أم أنه يشمل توجيهه إلى ما لا تبرر منفعته مخصصاته؟ وهل سيلتحق البرلمان تدريجيا باللائحة الطويلة للمؤسسات التي من الأجدى تنمويا تحويل مخصصاتها للعملية التربوية التعليمية أو لمشاريع توسعة إطار العملية الإنتاجية؟
للأسف الشديد, انقسم البرلمان بين أغلبية منزوعة التقرير, اعتبرت عقل الحكومة أصل التشريع المقدس, كل تحوير لما يصدر عنه بدعة مذمومة, تتراوح أدوارها بين الغياب والإطراء والمنافحة, وبين مجموعة من “الموقرين" تسكنهم عزيمة راسخة -لا تزعزعها السنوات ولا تصححها التجربة- على تحويل البرلمان إلى خشبة لمدرسة المشاغبين, تساهم مداخلاتهم وتصرفاتهم في ثقافة الانفلات اللفظي, والمغالبة بالحناجر, وضمور الحجة الذي يعيشه المجتمع, إن بعضا من أبنائنا يستلهم للأسف الشديد من تجارب العالم تشوهاتها, وبين مجموعة قليلة تكابد ليلتقي الحق والوقار خطابا برلمانيا, تمنعها الأغلبية منزوعة التقرير من أن يكون لها تأثير تشريعي ويشوش صخب “الموقرين" على وصول خطابها قدوة تربوية.
في مقدمة هذه المجموعة الأخيرة المتئدة مالك جالو والوقورة أنيسا با والتي تمثل جوهر ثقافتنا الخطابية قبل أن تمسخها القنوات العربية بدغدغة المشاعر, والمغالبة بالحناجر, وهندسة تلبيس الحقيقة بالمعقول, واعتبار القضية تبرر المطية. إذا كان للعربية من مثلمة فهي أنها مسلك سموم هذه القنوات إلى عقولنا. أشكر هذه النائبة التي تثبت بخطابها أسلوبا ونبرة أن الأخلاق سلاح المرافعة الأول, وأننا يمكن أن ندافع بفاعلية دون أن نخلع ثوب الوقار وهدوء المؤمن المطمئن. من المؤسف أنه من شبه المؤكد أننا سنفقد هذه النائبة في العهدة القادمة نظرا لسياسة حزب تواصل التدويرية التي تقدم المحاصصة بين القيادات على الأداء, في مقاربة غريبة ترى المناصب الانتخابية غنائم.
صحيح أن البرلمان تقليد ديمقراطي لبداهة أهمية التشريع وديناميكيته, ولكن ذلك لا يعفيه من تحليل النفعية. لا يمكن أن نقتصد مراجعة النصوص المنظمة لدخول البرلمان والمؤطرة للتصرف داخله لتمكينه من أداء دوره التشريعي والالتزام بالحد الأدنى من الرسالة التربوية.
وفق الله وأعان
د. م. شماد ولد مليل نافع