فخامة الرئيس قد نلتمس العذر لكم ولنظامكم الجديد فيما جرى هذه الأيام بشأن الاتحاد من أجل الجمهورية بسبب أنكم وجدتم أنفسكم في في ظرف يحتم عليكم انتشال الحزب حفاظا على رموزه الانتخابية.. لكن ينبغي التنبه
ولا أعتقد أن ذلك خافيا عليكم إلى أن هذا الحزب الذي لا يخرج عن كونه نسخة جديدة من الهياكل وما تمخض عنها منذ 1991 من أحزاب حاكمة هو أكبر معوق للديمقراطية ودولة القانون بسبب نزعته الانتهازية القائمة على المحسوبية والزبونية وجماعات الضغط التي تستنزف خيرات البلد وتفرض على سلطاته التعامل مع مقياس الولاءات بدل الكفاءات.
كما أنه هو المسؤول -وهذه قليل من يتنبه إليها- عما حدث من توجه سياسي نحو الاصطفاف العرقي في البلد، حيث إن طبيعة بنية هذا الحزب الذي يعبر عنه بحزب الدولة اجتماعية لا سياسية، وهذه البنية كما هو معروف في علوم السياسة مضادة لمفهوم المواطنة الجامعة لأنها مبنية على الاصطفافات الجهوية والقبلية.. ولذلك كان من الطبيعي في مثل هذه الحالة أن تتولد مع الزمن ردة فعل لا إرادية للمعارضة المواجهة له قبلية وجهوية وشرائحية.. لكن بسبب أنه لا تقوى أي قبيلة أو جهة على معارضة حزب النظام لأسباب معروفة انفلتت المعارضة العرقية من عقالها وبدأت لأسباب وجيهة تفعل مفعولها في البلد.. وستكون جلية ماثلة للعيان بحيث لن يكون هناك غيرها ولا حديث غير مطالبها التي ستكون مشروعة آنذاك وهي تقاسم السلطة وتقاسم الثروة خلال دورتين انتخابيتين (10 سنوات) على الأكثر..
لقد قلتها وكتبتها قبل الانتخابات وأرجو أن يكون تحليلي خطأ لكن الواقع مع الأسف يسير حتى الآن نحو تصديقه: إذا نجح مرشح السلطة فإن البيضان لن يعارضوا أبدا في المستقبل -ودعوني أشرح الأمر بصراحة وأنا أعرفهم جميعا جيدا- فقد برز منهم زعماء عظام في مقدمتهم الزعيم الوطني أحمد ولد داداه وقادوا النضال باقتدار وشجاعة ووقفوا في وجه الديكتاتورية العسكرية ثلاثين سنة دون جدوى، فقد كان نصرهم في الانتخابات المتتالية يسرق وشرفهم يهان، وأحزابهم تفكك، وقياداتهم تحاصر، وأطرهم ورجال أعمالهم ومناضلوهم يطردون أو يشترون من تحت الطاولة ومن فوقها من طرف الأنظمة حتى وصل الحال إلى درجة صار معها عيب أحمد ولد داداه من طرف النخبة السياسية أو المثقفة هو أقصر طريق إلى التعيين، ولقد رافقت هذا الزعيم الصبور إلى أكجوجت في ذكرى الاستقلال ورأيت كيف يتسابق ألئك الذين كانوا يفرون بالأمس من طريقه إلى السلام عليه اليوم.. وتم إفساد الحياة السياسية وقيمها والدوس على أخلاقها إلى أن آل الأمر بأحزاب المعارضة إلى أن أصبحت مجرد أشكال حزبية فارغة إلا من الوطنيين الصادقين وقليل ما هم او من المغضوب عليهم من قبل النظام، وحلت الحركات -وإن اتخذت الإطار الحزبي القانوني- محل الأحزاب، والإيديولوجيا محل البرامج السياسية، والأعراق محل القبائل..
وفي هذا الجو الذي نجحت العشرية الأخيرة بامتياز في تكريسه كان باديا لكل محلل موضوعي للبنية السياسية والاجتماعية للبلد أن نخب البيضان بعد تجربة انتخابات 2019 سيلتحقون -بفعل إدراكهم الواعي أو الغير الواعي لا فرق لعبثية ما يقومون به- بركب الحزب الحاكم حتى ولو لم يعطهم شيئا، حتى ولو أخذ أموالهم وجلد ظهورهم، وإن بقيت منهم بقية فستكون بمثابة النادر الذي لا حكم له.. لقد أدركوا أنهم وتوجههم محاصرون من قبل التاريخ والجغرافيا معا..
فهذه ليست ديمقراطية صحيحة يناضلون فيها، وهم ليست لديهم مظالم تاريخية يضحون من أجل رفعها، ولا هوية مهددة يلتفون حولها، ولا أيديولوجيا معينة يذبون عنها، ولا يريدون أن يستمروا في دفع فاتورة القهر الحضاري.. أما الشرائح الأخرى وأصحاب الإيديولوجيات المختلفة سواء كانوا من البيضان أو من غيرهم فسيكونون هم الحاملين لمطالب المظالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية المدافعين عنها بعد أن تختفي الطبقة السياسية ذات الرؤية الوطنية الجامعة.. إلا إذا أدرك فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ومعالي وزيره الأول إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا وحكومتهما والانتلجانسيا المحيطة بهما فداحة خطب استمرار حزب كحزب الاتحاد من أجل الجمهورية وخطورته على دولة القانون وبنية الديمقراطية وبالتالي على التنمية الاقتصادية والوئام الاجتماعي وبادروا إلى دراسة السبل الكفيلة بمحاربة هذا الداء واستبداله بالدواء الناجع.. وهذه هي الآمال التي وضعنا على هذا الرئيس ومن حوله بسبب الإشارات الإيجابية التي عبروا عنها منذ توليهم للسلطة وأيدناهم على أساسها مع أننا لسنا منهم ولا نريد منهم جزاء ولا شكورا إلا أن ينهوا هذه المهزلة التي دخلنا فيها منذ 1978 ويردوا إلينا وطننا الذي سلب وخيراته التي نهبت ووئامه الذي أفسد.. لا نريد منهم إلا أن يدركوا -بعد أن تنتهي مهزلة هذا المؤتمر- أن طريق الإصلاح وحيد فإما أن يسلكوه وإما أن يتنحوا فالتاريخ لا يرحم وهذا الحزب الذي يتبجح ذووه به وبانضمام مليون وخمسمائة ألف منتسب إليه هو الذي كاد أن يتسبب في هزيمة ولد الشيخ الغزواني حيث لم يمنحوه بشهادة بعض قياداته وبشهادة الواقع إلا 10 في المائة من أصواتهم، ولولا من آمنوا بشخص ولد الشيخ الغزواني من الأطر والعسكريين والمثقفين والموريتانيين الصامتين وراهنوا عليه لما نجح فأبصروا الواقع كما هو وأدركوا أن الجرح عميق والأزمة شديدة وتحتاج إلى حلول ثورية متبصرة وقيادة قوية وطنية لا يستطيعها إلا الكبار من أمثال ماو وتيتو وعبد الناصر وفيصل وصدام وأضرابهم.. الأمر يحتاج إلى قائد له رؤية متبصرة وممارسة حكيمة إن أردتم البقاء لهذا البلد الذي، وهذه من أكبر مفارقته يحرز تحت الفقر والغبن وغلاء المعيشة وهو من أغنى بلدان العالم بالنظر إلى ثرواته وعدد سكانه، ومن حقه عليكم أن تصلحوا حاله حتى يكون كالكويت أو قطر أو الإمارات من حيث الغنى والرفاهية وهذاما لا يتطلب أكثر من فهم مكمن الداء وإسعافه بالدواء.. وهذا الجانب الاقتصادي سيكون موضوع رسالتي الأخيرة إليكم على هذا الفضاء بمناسبة توليكم مقاليد الأمور.. ودمتم.