شاهد ديدي عدة مسابقات تلفزيونية حول الأدب الشعبي" لغن " وحين نام رأى في المنام حلقة من مسابقة فريدة من نوعها يتنافس فيها عن كل ولاية من ولايات الوطن عملاق من عمالقة " لمغنين " ويقدم هذه الحلقة المرحوم جمال ولد الحسن الذي يتستضيف أمير الشعراء أحمد شوقي ليقوم بدور الناقد .
بدأ جمال تقديم البرنامج مرحبا بالضيوف ومعلنا شروط المسابقة التي تضع المستابق بين خيارين إما أن يختار " لبتيت الناقص " او " اسغير " بينما تعطيه حرية اختيار الموضوع .......
* المتسابق رقم ١ ول الكصري من تكانت :
يقول المتسابق ( لبتيت الناقص )
كالحـمـد ال يــواد ..==..لمريفك وكـتن راد
الله اعليـك ابـعـاد..==..الدهـر ال غــلاك
اوخسرت حالت لبلاد..==..اوعدت انت لل جـاك
ماه انت ذاك اوعـاد ..==..ذ ماهُ دهـر اغـلاك
عدت آن مـانِ زاد..==..سـيـد محـمـد ذاك.
يشرح جمال لشوقي بيك مضمون الطلعة بالعربية فيقول :
" يعاتب الشاعر " واد لمريفك " وهو مكان عاش فيه عنفوان الشباب وسط الإلف والأحبة حين عاد إليه بعدما ذهب الشباب ودارت الأيام ، فيناجيه خلسة بقوله : " لحسن الحظ لم تتغير لوحدك "
يهتز شوقي طربا ويقول : لسيت المرة الأولى التي يناجي فيها شاعر مكانا قريبا إلى قلبه ، أتذكر جيدا كيف ناجى المجنون جبل التوباد بقوله :
وَأَجهَشتُ لِلتوبادِ حينَ رَأَيتُهُ
وَهَلَّلَ لِلرَحمَنِ حينَ رَآني
وَأَذرَيتُ دَمعَ العَينِ لَمّا رَأَيتُهُ
وَنادى بِأَعلى صَوتِهِ وَدَعاني
فَقُلتُ لَهُ أَينَ الَّذينَ عَهِدتُهُم
حَوالَيكَ في خِصبٍ وَطيبِ زَمانِ
فَقالَ مَضَوا وَاِستودَعوني بِلادَهُم
وَمَن ذا الَّذي يَبقى مَعَ الحَدَثانِ
وَإِنّي لَأَبكي اليَومَ مِن حَذَري غَداً
فِراقَكِ وَالحَيّانِ مُؤتَلِفانِ
سِجالاً وَتَهتاناً وَوَبلاً وَديمَةً
وَسَحّاً وَتَسجاماً إِلى هَمَلانِ
....ثم يضيف شوقي : لقد أعجبني كثيرا ذلك الشرط وجوابه كما أعجبتي موسيقى الطلعة التي تفوح أسى ووجدا ، أجيز هذا النص بكل سرور .
* المتسابق الثاني أحمد سالم ول بوبوط ( آدرار ) يقول المتسابق ( لبيت الناقص ) :
مذكورين الخطار×× بيهم كثرت لخبار
كالو عني فطار××نتوس واصل اكذيب
بعذاري عت اكبار××وافراصي عت الشيب
والهم اشطن بالي ××وافبالي من لعطيب
من حزم ام اعيالي××شي عجيب اوغريب .
يشرح المرحوم جمال لشوقي بيك ؛ كيف سعى الواشون بين الشاعر المسافر وبين زوجته وكيف دحض حجتهم بأن همومه و شيبه وحبه الكبير لأم عياله أمور تمنع مجرد التفكير بأخرى .
يعادل شوقي طربوشه و يضحك على طريقة باشواة الأتراك ثم يقول : " هذه ليست المرة الأولى التي يتغرب فيها شاعر عن زوجته التي يعشق حد الثمالة من أجل البجث عن حياة أفضل ، الحكاية برمتها ذكرتني بابن زريق البغدادي المسكين حين يقول :
أَسْتَوْدِعُ اللَهَ في بَغْدَادَ لِي قَمَراً
بِالكَرْخِ مِنْ فَلَكِ الأَزْرَارِ مَطْلَعُهُ
وَدَّعْتُهُ وَبِوُدِّي أَنْ تُوَدِّعَني
رُوحُ الحَياةِ وَأَنِّي لا أُوَدِّعُهُ
وَكَمْ تَشَبَّثَ بِي يَوْمَ الرَّحيلِ ضُحَىً
وأَدمُعي مُستَهِلاتٌ وَأَدمُعُهُ
وَكَم تَشَفَّعَ في أَن لا أُفارِقَهُ
وَلِلضَّرُورَةِ حَالٌ لا تُشَفِّعُهُ.
.....ثم يختم شوقي بأن تصغير الشاعر للكذب بقوله " أكذيب " قد لفتت انتباهه فهي مناسبة جدا للرد على المرجفين ثم يجيز النص .
* المتسابق الثالث أربان ( ولاية لعصابه )
يقول المتسابق ( لبتيت الناقص ) :
خظت أعل دار اليوم@أهل أي يالقيوم
ءشفت أكوم التيدوم@لمسهوي كان الدار
محروك ءعاد أحموم@سبحانك يالقهار
معود حراك أكوم @ماه فاهم اﻻخبار .
يشرح جمال لشوقي فيقول :" تملك الشاعر الوعظ حين مر بمكان يحتل منطقة وسطى بشغاف قلبه فوجد الأغراب يعبثون به غير مكترثين لما يعنيه له "
يردد شوقي "سبحان الله " ثم يقول ليست المرة الأولى التي يمر فيها شاعر بمكان كان يعني الكثير فيجد الزمان والإنسان قد عبثا به ، أتذكر قول البحتري عن إيوان كسرى :
حَضَرَت رَحلِيَ الهُمومُ فَوَجَّه
تُ إِلى أَبيَضَ المَدائِنِ عَنسي
أَتَسَلّى عَنِ الحُظوظِ وَآسى
لِمَحَلٍّ مِن آلِ ساسانَ دَرسِ
أَذكَرتِنيهُمُ الخُطوبُ التَوالي
وَلَقَد تُذكِرُ الخُطوبُ وَتُنسي
وَهُمُ خافِضونَ في ظِلِّ عالٍ
مُشرِفٍ يَحسِرُ العُيونَ وَيُخسي
مُغلَقٍ بابُهُ عَلى جَبَلِ القَب
قِ إِلى دارَتَي خِلاطَ وَمُكسِ
حِلَلٌ لَم تَكٌ كَأَطلالِ سُعدى
في قِفارٍ مِنَ البَسابِسِ مُلسِ
وَمَساعٍ لَولا المُحاباةُ مِنّي
لَم تُطِقها مَسعاةُ عَنسٍ وَعَبسِ
نَقَلَ الدَهرُ عَهدَهُنَّ عَنِ ال
جِدَّةِ حَتّى رَجَعنَ أَنضاءَ لُبسِ .
......ثم يضيف شوقي : لقد راعني الحرق حتى الرماد فلم أرى غصنا يحترق وإنما رأيت ذكريات تحترق فلكم أثر بي هذا النص الذي أجيزه بجنون .
*المتسابق الرابع : الشخ محمد الأمين ( الحوض الشرقي )
يقول المتسابق ( لبتيت الناقص )
اسبوعي بنشاي@@متعدل يالعطاي
ماكط امن انتشاي@@الدني جبروحد
زين اسبوع اكنكاي@@وزين اسبوع المحرد
غير اسبوع ادباي @@من لعمر ما ينعد
مولاه الي غلاه@@امش عنو واكعد
وابكيت ان موراه@@ما شتكيت اعل حد .
يقول جمال شارحا لشوقي قول الشاعر :
أسابيع جميلة في أماكن رائقة يمكن أن أكتبها في سفر الأيام السعيدة لكني أضن بأسبوع أدباي أن يعد من العمر لفرط سعادته لكن المحزن في الامر أن رفيقي ومصدر سعادتي في ذلك الأسبوع لم يعد موجودا ولهذا صرت مثارا للشفقة "
يقول شوقي بيك : هذا النوع من البكاء على الأطلال الذي لا يتغنى بالمكان ولا بالزمان وإنما بالإنسان موجود في الأدب العربي فقديما قيل :
أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى
أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا
وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي
وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا
......ثم يضيف شوقي : على العموم لم ينحج الشاعر في إثارة استعطافي وإنما نجح في اثارة إعجابي أجيز هذا النص بقوة .
*المتسابق الخامس : الشيخ ول مكي ( ولاية لبراكنه ) يقول المتسابق ( أسغير ) :
يلالي يحد مانك..==..لاهي يجبر حد مانك
والواس منشي احسانك..==..كيف الكاتل بوك
يخل خيمت بوك كانك..==..لفكايع كتلوك.
يشرح جمال لشوقي قول الشاعر :" يسترضي الشاعر حبيبته الغاضبة دائما مهما فعل لإرضاءها ثم يحذرها من الموت غما لأن الغضب الدائم داء قاتل حسب الشاعر " .
يضحك شوقي بيك ثم يقول : عادة لا تجتمع الطرافة بالإعتذار إذا كان المعتذر جادا لكن شاعرنا إن حالفه الحظ وأضحك حبيته - الواجمة دائما - فسينقذ نفسين ! وعلى ذكر الأعتذار أتذكر قول بن زيدون :
لَعَمري لَئِن قَلَّت إِلَيكَ رَسائِلي
لَأَنتَ الَّذي نَفسي عَلَيهِ تَذوبُ
فَلا تَحسَبوا أَنّي تَبَدَّلتُ غَيرَكُم
وَلا أَنَّ قَلبي مِن هَواكَ يَتوبُ.
.....ثم يقول شوقي أجيز هذا النص الطريف .
* المتسابق السادس : ول أشفغ أعمر ( ولاية اترارزة )
يقول المتسابق ( أسغير ) :
وحلت يا آن حق بنه == فالطفحة مصيوب عنها
يا التركة ما تيت منها == شيباني و الذات
محمودة لله منها == ذي الفظلة لبكات
و أحذاي بوتيك وحلة == فيه اطويفلات
وفيه أملي زاد كهلة == من ذوك الكهلات.
يشرح جمال لشوقي قول الشاعر : يلخص الشاعر معضلته حين جاور في الوقت غير المناسب دكانا به فتيات وعجوز !
فبعدما شاب مفرقه و تحول جماله إلى أطلال جاورته صغيرات مع جدتهن العجوز التي تنتمي إلى صنف من العجائز لا يستطيع مقاومته "
يضحك شوقي ويقول : لم أسمع أبدا شاعرا يتغزل بعجوز بل على العكس كانت أشعار العرب غير ودية اتجاه العجائز فمثلا قول الشاعر :
عَجوزٌ تُرجّي أنْ تَكونَ فَتيَّةً
وقَد نَحِلَ الجَنبانِ و احدَودَبَ الظَّهرُ
تَدُسُّ إلى العَطّارِ مِيرةَ أهلها
وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر ؟؟؟؟.
....ثم يضيف شوقي : أجيز هذا الإبداع .
ثم تنتهي الحلقة ويستبقظ ديدي .
رحم الله الجميع وأسكنهم فسيح جناته .
بقلم بابه أربيه