غير بعيد من مدينة ودان التاريخية الواقعة في شمال موريتانيا، يسلب مكان يُدعى محلياً بگلب الريشات، وعالمياً بعين الصحراء أو عين إفريقيا، اهتمام الباحثين الغربيين والسياح أيضاً، وذلك لفرادة تشكل هذا التكوين، الذي تكثر حوله القصص والأساطير، وإلى اليوم ما يزال لغزاً يحيّر الكثيرين، ويلفت انتباههم ويُشغفون بزيارته والتنقيب في تاريخه وتشكله الجيولوجي، وهو مكان يختلف حسب علو الناظر إليه عن الأرض.
وأكد المتحدث على أن "ما يتفق عليه الناس هو أنها أرض غريبة، وأن ما ينبت فيها من أعشاب جيد جداً، ومغذٍّ للحيوانات بشكل فريد، وحتى أن الأساطير تقول إن الأعشاب التي تنبت بجوارها نادرة وتشفي المرضى وهو ما يؤكده بعض الأطباء التقليديين، إذ يقولون إنه أمر مجرَّب عندهم. وفي ما يخص السكان المجاورين للمكان، فهم بدو رحل، وهناك وادٍ اسمه وادي الحفرة، يقع في الجنوب الشرقي من الموقع، ويوجد هناك رحّل يرعون الأغنام والإبل ويذهبون ويأتون من دون استقرار".
أرض مباركة وأساطير متنوعة
تتعدد الحكايات والقصص حول هذا المكان، وكيف تشكّل، وهو البقعة المصنّفة من طرف وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، ضمن الظواهر الطبيعية العشر الأكثر غرابةً في العالم، وقد تحدث عمدة مدينة ودان، محمد محمود ولد أميه، عنه لرصيف22، قائلاً: "المعلم الذي يقال له گلب الريشات، والمحاذي لمدينة ودان، هو مكان لم تُعرف ماهيته إلى الآن، والكثير مما يقال عنه ما زال مجرد أطروحات وأساطير. يبعد گلب الريشات 35 كلم شرق مدينة ودان، وهو معلم جيولوجي غريب ونادر، وتضاريسه غريبة وعجيبة، وضعها الله على شكل دائري على ثلاث مراحل أو أربع، وكل دائرة تبعد عن الأخرى ثلاثة كيلومترات أو أربعة، وهناك گلب (جبيل) في مركزه، مميز بحجارته النادرة، وللأمانة من يزور المعلم على أرض الواقع لن يلفت انتباهه إلا شكل "الريشات"، أو الگلب في الداخل".
وواصل ولد أميه، كلامه عن بركة هذه الأرض، قائلاً: "تحاذيها من الجنوب الغربي أماكن زراعية تُزرع وتمتد على ثلاثين كلم، وهي على مقربة منها، والغريب أن تلك المزارع يُزرع فيها القمح والشعير بكميات هائلة، مثلاً الهكتار يعطي أكثر من عشرة أطنان، وهو أمر يخص هذا المكان ومحيطه، فهناك أماكن تبعد عن المكان خمسين كيلومتراً ولا تعطى المحصول نفسه، وقد يكون هذا راجع إلى بركة المكان والأرض، أو أن المواد الموجودة فيها قد تكون تعطي قوةً للأرض والمزارع، وهي زراعة موسمية تعتمد على المطر، وباختصار يجاوره بدو رحل ومزارع غنية في مواسم الزراعة المعتمدة على المطر، ويمكن القول إن الناس يحققون منها اكتفاءهم الذاتي مدة سنتين وثلاثة، وهذا واقع وليست مبالغةً".
وأشار العمدة إلى أنه "منذ قدوم العالم تيودور مونو إلى عين گلب الريشات، أصبح يُكتب عنه ويُهتم به علمياً، ونُشرت عن المكان الكثير من الأبحاث في المجلات العلمية، واهتم به الأمريكيون والكنديون كثيراُ منذ أعوام ودرسوه، وكانوا ينوون القدوم إليه بقوة والقيام بحفريات عام 2018، وأصبح جاذباً لانتباههم، وقد قابلت بعض المهتمين ممن يريدون معرفة ما تحت هذه الأرض، مثلاً قد تكون هناك كنوز وبعضهم يتكهن بأنه قد يكون في قديم الزمان مدينةً مزدهرةً جداً وغرقت، أي أتلانتيس".
مضيفاً: "ظل مونو يأتي إلى گلب الريشات ويعمل عليه ويستكشفه، لتقوم بعد ذلك الوكالة الأمريكية ناسا، برصده عبر الأقمار الصناعية. وهو مكان يفاجئ زائره، فلن يرى الشخص شيئاً مختلفاً كثيراً على الأرض، غير الجبال أو الدوائر المتتالية والگلب، وهو ما يختلف عن رؤيته من الجو مِن الطائرة مثلاً، إذ يرى مشهداً غريباً؛ يرى الگلب في الداخل والفتحة التي تتشابه مع العين وألواناً عجيبةً وما يشبه خرز النساء وهي مشاهد لا تُرى من الأرض"، ويؤكد: "وهو أمر محيّر".
حكاية أتلانتس الغارقة
هناك أساطير شعبية تُحكى حول التكوين العجيب، ومنها أنه تحت المكان في باطن الأرض، يوجد كنز من الذهب والياقوت يحرسه وحش ضخم أو جنّي، وأن تلك عينه، أي العين الظاهرة من الجو، إذ ينتظر الوحش بهدوء أي قادم لأخذ الكنز ليخسف به الأرض ويدمّرها.
وهناك من الباحثين الغربيين من يحاول أن يربط بين هذه الظاهرة الجيولوجية ومدينة أتلانتيس المتخيلة والغارقة منذ القدم، والتي تحدث عنها أفلاطون، والتي قال إنها جزيرة فيها أبنية دائرية بعضها من الطين وبعضها من الماء، ويرى البعض أن ما تظهره الصور الجوية للمكان هو نفس ما وصفه أفلاطون، أي أنها أتلانتيس، وهذا الرأي بالطبع يثير الكثير من التساؤلات والشكوك في الوقت نفسه حول جديته وعلميته ووجاهته، إلا أنه بالتأكيد زاد من شعبية المكان عالمياً، ومن رواج قصته وشيوعه بين السياح والمستكشفين.
وتتعدد النظريات العلمية حول تشكل هذا المكان، وكان مكتشف المكان تيودور مونو، يعتقد أن الحفرة العجيبة كانت بسبب اصطدام نيزك بالأرض أثار نشاطاً بركانياً خلّف خطوطاً دائريةً قبل أن يختار السكون والكمون، وقد حدث ذلك قبل مئة مليون سنة.
وتقول بعض النظريات إن المكان تشكل بسبب سقوط نيزك هناك، إلا أن بعض الدراسات الجيولوجية التي أجريت على المكان قالت إنه لم يثبت وجود أي تغيّر في طبيعة المكان أو تشوّه في صخوره، بسبب وجود جسم غير أرضي. ولكن هناك من يرى أن كل ذلك غير صحيح، وهناك من يقول إن الظاهرة تنتمي إلى الحوض الرسوبي لتاودني، والذي تشكّل في أثناء ظهور سلسلة جبال "موريتانيد"، بعيد انفصال قارة غرب إفريقيا عن جنوب أمريكا قبل 600 أو 700 مليون سنة، وأنه بسبب التعرية والنحت تحولت على مر حقبٍ زمنية طويلة من شكل القبّة الجيولوجيّة إلى ما هي عليه في زماننا الحالي، وهذا حسب نظرية قدّمها الباحث الكندي غيوم باتون، وهناك من يقدّر عمر المكان بـ 90مليون سنة.
وكانت وكالة ناسا الفضائية قد قامت في آذار/ مارس عام 2008، بنشر تعريف بالتكوين والظاهرة الفريدة، وذلك عبر موقعها على الإنترنت.
ويُذكر أن رائد الفضاء الأمريكي سكوت كيلي، قد نشر بدوره في أثناء رحلة له عدداً من الصور تظهر المعالم الجيولوجية الخارقة على وجه الأرض، وقد ضمت صوره تلك صورةً للمكان، وقد شاركها على مواقع التواصل الاجتماعي، ليعي متابعوه بوجودها وبأنها في موريتانيا وصحرائها؛ لتجذب تلك الصورة إعجاب مئات آلاف المتابعين، ما جعلهم يطرحون الكثير من الأسئلة حول الظاهرة.
وكان برفقة سكوت كيلي في تلك الرحلة الرائد الروسي ميخائيل كورنينكو، وذلك في عام 2015، إذ سافرا معاً في رحلة فضائيّة لمدّة عام في مهمة علمية دولية.
هل يصبح المكان محميةً طبيعيةً؟
يُعدّ گلب الريشات اليوم من الأماكن الجاذبة للسياح في موريتانيا، وتزداد قيمته بشكل يومي، وحسب عمدة ودان محمد محمود ولد أميه: "يلفت المكان انتباه السياح، فكلما أتى سائح إلى ودان يذهب إلى گلب الريشات، حيث تنظَّم القوافل والأفواج لزيارته، ولديهم معلومات عنه من خلال ما كُتب في المجلات والصور الجوية التي انتشرت. في الحقيقة أصبح مزاراً مهما للمدينة وأصبح بوابةً جاذبةً للسائحين، فالكثير من السياح يأتون إلى مدينة لودان وغرضهم الأساسي هو زيارة گلب الريشات".
وأضاف المتحدث: "على مستوى جهود المقاطعة والبلدية، نعمل جاهدين مع السلطات الإدارية والوطنية حتى يقبلوا بدمج المكان في تراث خاص، ويكون حظيرةً ومحميةً، وما يزال ذلك مبعثراً ومتعثراً". وخلص إلى القول: "باختصار المكان أصبح معلماً عالمياً".