كانت الأخلاق السياسية ومازالت تُثير الكثير من التساؤلات، وقد اهتم الفلاسفة منذ القرن السادس عشر بأخلاق السياسيين وتصرفاتهم، وعلاقة تلك التصرفات بالجماهير وبالمصالح العليا للبلاد، وفي آخر دراسة أعدها الباحثان Jeremy Femur من جامعة وينيبغ الكندية و Welenda Sciatica من جامعة شيكاغو تناولا فيها نموذجين، حمل الأول منهما اسم " مونتغو " نسبة لأرستقراطية انكليزية عاشت في القرن الثامن عشر، وكانت ترى "أن الكياسة لاتكلف شيئاً وفي المقابل يحصل صاحبها على كل شيء"، أما النموذج الثاني فيحمل اسم "اللحوم لحمراء" وهي صفة تشخص طرق افتراس السياسيين لخصومهم تحت أعين الرقيب الأخلاقي.
افتراس السياسيين بهذا المفهوم يُعد واحداً من أهم المناهج المفضلة لدى السياسيين في موريتانيا، ويمتاز سياسيو هذا البلد عن غيرهم بتلك النزعة الأنانية التي تحاول تجميل واقع يفضح نفسه بنفسه، وقد سبق للفيلسوف الألماني الشهير Arthur Schopenhauer (1788-1860 ) صاحب النزعة التشاؤمية أن نبه إلى "أن الأنانية تثير قدراً كبيراً من الرعب، لذلك اخترعنا السياسة لإخفائها"، في كل فعل سياسي بهذا المعنى ثمة أنانية تدفعه لتُخفي حقيقتها ضمن الفعل وردته، لذلك لن نستغرب حين يتم الحديث عن حقوق الإنسان وعن النضال باعتبارهما أهم الستائر التي يُخفي خلفها السياسيون حقائقهم.
في موريتانيا أصبح الفعل السياسي المعارض منذ تسعينيات القرن الماضي يحتكر لنفسه صبغةً مثالية تدفها نزعة أنانية، كانت الدافع الحقيقي لكل طالبي اللجوء إلى أوروبا وكندا خلال ثلاثة عقود مضت، وقد كان هذا الفعل السياسي ذاته هو المحرك لصراع ثنائية الموالاة والمعارضة، وبأساليب مخالفة لأبجديات العمل الديموقراطي، هذا الصراع العبثي كان وراء خلق ثقافة التربّحعلى حساب الوطن وساكنته، واستغلال كل الهفوات لتحقيق مصالح شخصية، عبر شعارات توضح أساليبها أحدث ماتوصلت إليه نظريات ما بعد الميكيافلية بصيغتها المحلية.
لقد أصبحت الساسية في بلدي مجرد مهنة الاصطياد أخطاء الآخرين، حتى ولو تطلب ذلك انتهاك الخصوصية، وقرصنة الملفات التي كان يجب أن تبقى سرية لأسباب أمنية أو شخصية، ففي معظم الإدارات ثمة هواة يمتهنون تسريب وثائق سرية تحت عنوان البحث عن الشهرة( مدون شهير)، ويتصيّدون أخطاء المنافسين بطريقة تجرمها كل القوانين الدولية، والمضحك في الأمر أن هذا التجاوز المخل بأبسط أبجديات اللعبة السياسية قديكون ضحيته يشترك معهم في التوجه السياسي ذاته، أما اختراق الهواتف الذكية وزرع برامج التجس فيها فحدث ولاحرج ، خصوصاً وأننا في مجتمع يجهل معظمه أبجديات الحفاظ على أمن المعلومات.
السياسية في هذه البلاد بهذا المنطق تخترق كل الحواجز ولا تعترف بما يُسمى بأسرار المهن، لأننا في بلد لاتعمر فيه الأسرار كثيراًبسبب فضولية ساكنته، وهكذا تصبح العمالة للخارج على حساب الوطن، والتنكر للذاكرة السياسية، والمتاجرة باللحمة الاجتماعية،عملاً مبرراً ضمن سياق متغير لدرجة يصعب معها وضع مفاهيم لتحديد الكلمات المفاتيح التي تضبط الأخلاق السياسية وتحدد أهدافها مثل خدمة المواطن والمصالح العليا للوطن.
وتعكس أساليب تعامل بعض الإعلام المحسوب على المعارضة مع الزيارة الأخيرة لفخامة رئيس الجمهورية لمستشفى الشيخ زائد أحدث طرق الاصطياد على قارعة السياسة، حيث تم التركيز على مشهد بعينه وعلى جملة معينة لتصبح وسماً على وسائل التواصل الاجتماعي وهي "#الظروف صعبة جداً " التي قالها الرئيس أثناء حديثه مع أحد المرضى، والهدف هو إظهار الرئيس عاجزاً عن تقديم الحلول لأهم القطاعات في الدولة، ولا ننسى أن هذه الجملة مع مقطعها هما اللذين ركز عليهما أحد أقدم المواقع الإلكترونية في البلد تطبيقاً لنظرية نعوم تشومسكي القائلة: " إن استثارة الانفعال العاطفي بدلاً من التفكير هي طريقة تقليدية تستخدم لتعطيل التحليل المنطقي، وبالتالي الحس النقدي للأشخاص". تعطيل الحس النقدي وابتلاع الهاشتاكات والتحليلات ونشرها على أكبر نطاق ممكن هو الذي سيُخفي تماماً معالم الرسالة الموجهة للشعب، من قبيل "التركيز على قطاعيْ التعليم والصحة واستمرارية العمل فيهما لأنهما أولوية كل المواطنين" ليسهل بذلك تصنيفها ضمن قاموس لغوالكلام الذي اعتادعليه رؤساء هذا المنكب البرزخي.
هكذا إذا تم اغتيال أهداف زيارة الرئيس الأخيرة لمستشفى الشيخ زائد بتقنية الاصطياد على قارعة السياسة التي أستخدمت أحدث أساليب الضرب تحت الحزام، في محاولة لاقتناص اللحظة التي أتت ضمن سياق مزعج لإعلام لم يرتح كثيراً لهشتاك #نذيرو- لاتولي، الذي كان بمثابة تفاعل عفوي مع إصلاح لم تساهم جهات معينة في صناعته، وهنا يمكننا فهم التركيز على جملة الرئيس في محاولة للمرور عبرها للاوعي عند الجماهير لتتم إعادة تدويره حسب ما تمليه أنانية أصبحت تسعى للتحكم في نمط الأفكار قبل أن تتحول لأفعال خارجة عن السيطرة.
د.أمم ولد عبد الله