"أوكرانيا: الحاضر الأبدي 30 عاما من الإستقلال" فيلم وثائقي متميز وجدير بالمشاهدة، يحلل الإتجاهات الجيوسياسية والإقتصادية الرئيسية في التاريخ الحديث لأوكرانيا في محاولة للعثور على إجابات لأكثر الأسئلة إلحاحًا في أوكرانيا اليوم - كيف تحولت دولة ذات إمكانات صناعية ضخمة في يوم من الأيام إلى أفقر دولة في أوروبا؟ كيف لم تتصور النخبة السياسية الأوكرانية مستقبلها في أوكرانيا وتعاملت معها على أنها منصة لكسب المال ونهب مواردها؟ وكيف تسببت ثورتان وعدد لا نهائي من الإحتجاجات المدنية في خلق "مصعد اجتماعي" يجلب إلى قمة السلطة ليس رجال الدولة الذين يتمتعون بتعليم وخبرة مناسبين لصياغة وحل القضايا الإستراتيجية الأوكرانية بالكامل، بل الإنتهازيين الصغار الذين يتركون البلاد تدريجيًا تفقد شخصيتها وتغوص في الفوضى الإجتماعية؟
الفيلم الوثائقي من إنتاج شركة Global 3 Pictures Inc المعروفة بسلسلة من الإختراقات الوثائقية المشرقة في الماضي والحاضر لبعض البلدان الجديرة بإهتمام السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.. الفيلم الوثائقي الجديد تم إنتاجه خصيصا بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس أوكرانيا في 24 أغسطس سنة 2021.
اعتمد الفيلم الوثائقي على شهادات وإفادات و تعليقات العلماء والسياسيين والمسؤولين وقادة الرأي الأوكرانيين المشهورين خلال الثلاثين سنة الماضية، بمن فيهم أولئك المشهورون لدى المشاهدين الأمريكيين مثل فيكتور يوشينكو، وأندريه ديركاش، وفاليري بوسوفويتنكو، ويوري إيخانوروف - وكلها رائعة لكونها من كبار السياسيين الأوكرانيين.
أظهر هذا الفيلم الوثائقي زيف الأساطير الأكثر رسوخًا والتي استخدمت باستمرار من قبل النخبة السياسية في أوكرانيا للتلاعب بعقول الناخبين مثل الرغبة في نيل عضوية الناتو، والإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي، وقضايا الفساد، والنهب وخصخصة أكثر من ثلاثين ألف من الشركات والمصانع العمومية التي كانت موجودة خلال المرحلة السوفياتية، إلخ..
توصل الفيلم الوثائقي إلى الاستنتاجات الرئيسية التالية:
في مجال السياسة الداخلية: يجدر بأوكرانيا أن تتجنب في المستقبل الفوضى والثورات الجديدة والإضطرابات الداخلية، التي دمرت البلاد طيلة سنوات عديدة وأنهكت اقتصادها وتسببت في الهجرة الجماعية لأفضل مصادرها البشرية النوعية. وكيف أن ذلك لن يكون إلا عن طريق توحيد النخب المحلية وتطوير رؤية مشتركة لتنمية البلاد ومحاربة الفساد.
أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية فالإستنتاجات تقضي بأنه إذا لم توازن أوكرانيا علاقاتها مع الإتحاد الروسي والولايات المتحدة الأمريكية بشكل ذكي وموضوعي، فإن الخيارات الوحيدة المتاحة لها لمواصلة وجودها ستكون إما التفكك إلى عدة أجزاء والتقوقع في دور تابع يؤدي أدوارا باهتة "بتكليف" من بعض القوى العظمى، أو التحول إلى منطقة فوضى و البقاء على هذا النحو حتى اتفاق آخر أو نزاع آخر بين الدول "الكبيرة".
ورغم أن الفيلم الوثائقي قد تم إنتاجه وعرضه لأول مرة منذ حوالي سبعة أشهر، فمن الواضح بأنه قد تنبأ بحدوث السيناريو الأخير الذي هو الأقرب حاليا إلى التحقق بعد التدخل العسكري الروسي الشامل في أوكرانيا في 24 فبراير 2022.
باختصار، يسرد هذا الفيلم الوثائقي حكاية بلاد ضيعتها نخبها السياسية والإقتصادية تارة باسم أيديولوجية التقرب والصداقة مع روسيا، وتارة باسم أيديولوجية التقرب والصداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية..
بقي أن نشير إلى أن التحقيقات والمقابلات الكثيرة التي يزخر بها هذا الفيلم الوثائقي قد أجرتها المحامية والصحفية الأمريكية من أصل إيطالي سيمونا مانجيانتي Simona Mangiante، أما المخرج فهو أمريكي -روسي من أصل أوكراني يدعى إيغور لوباتونوك..