انهض يا تولستوي.. فما زلنا بعد رائعتك بقرنين من الزمن نعيش في دوامة الحرب والسلم.. لقد كانت وستظل إحدى أعظم الروايات في الأدب العالمي.. كتبها الأديب والمفكر الكبير ليو تولستوي في بدايات القرن التاسع عشر، إبان الإجتياح الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت للأراضي الروسية عام 1812.
تصور الرواية الباذخة ملحمة دخول نابليون إلى موسكو، والمقاومة الشرسة لجيش القيصر الروسي التي أفشلت الغزو بعد أن تحالف معها الشتاء المخيف في روسيا؛ حيث يضطر نابليون للانسحاب في النهاية بعد رفض القيصر ألكسندر الأول، الإستسلام.
يبحر الكاتب في شوارع روسيا القيصرية في تلك الفترة من التاريخ، واصفا مدينة موسكو العظيمة، بساحاتها وكنائسها وطرازها الجميل، والقصور الفخمة والمنازل المنمقة والأنيقة وقاعات الأوبرا الفارهة. يغوص تولستوي في تفاصيل حياة النبلاء والأمراء في صالوناتهم وحفلاتهم المترفة، لكنه بعد ذلك، ينتقل إلى ساحات الحروب مصورا تفاصيلها، وجراحها وأمواتها وويلاتها ومآسيها اللامتناهية.
وبين انتقاله ما بين الحرب والسلم والحياة المختلفة للناس وللنخبة الأرستقراطية في كلا الحالتين، يصوِّر تولستوي حياة المجتمع الروسي في مرحلة مهمة من تاريخه، متناولًا بقلمه السيال وحسه الأدبي المرهف مختلف المظاهر الإجتماعية والسياسية والعسكرية والإقتصادية والثقافية في روسيا القيصرية..
من أطرف ما تتميز به رواية تولستوي "الحرب والسلم" هو تصميمه على حرمان شخصيات الرواية من حرية الإختيار الحقيقية في حياتهم، مؤكدًا بأن التاريخ هو وحده الذي يحدد سعادة المرء أو تعاسته على حدٍّ سواء.. وإذن، فإن تولستوي يحيلنا بغرابة إلى "التاريخ".. ذلك المفهوم الواسع والغامض والغريب..
ولعل من غرابة التاريخ- الذي يعتقد البعض بقدرته الخارقة في بعض الأحيان على إعادة نفسه- أن يطل على العالم في هذه المرحلة من "التاريخ" التي أصبح فيها الإنسان يمتلك وسائل دماره الشامل بمجرد الضغط على زر، ذلك الوجه المتجهم لثنائي "الحرب والسلم" قادما من بلاد تولستوي نفسه.. وما حولها..
اليوم، يقف العالم مشدوها أمام هذه اللحظة الرهيبة.. من جديد، هذه هي "الحرب والسلم" في طبعتها النووية المرعبة.. فمن أين لنا بكاتب عبقري مثل تولستوي يوثق أدبيا جمالية المأساة؟