شبه أحد العلماء وضع العالم اليوم في مواجهة التغير المناخي بتلك اللحظات التي أدرك فيها قائد الباخرة "التيتانيك" حجم الصخرة الثلجية التي تعترض طريقه ، ففي تلك اللحظات أصبحت حركة الخطر أسرع من طاقة/ إرادة التدخل ..وهذا وصف لا يجوز الاستخفاف به، مهما كان مستوى الحصانة ضد التشاؤم ، بل إن حجم التظاهرة اليوم في اغلاسكو – المملكة المتحدة، ومدتها الزمنية ( 12 يوما ) لمما ينبه كل غافل إلى أن التشبيه لا يخلو من بلاغة، بل ربما يكون وضع التيتانيك أفضل، فهي على الأقل تمتلك قوارب نجاة لإجلاء النساء والأطفال ..
أجل، فبحسابات المخاطر المحدقة بالكوكب الأرضي ، وبحساب تهديد المقومات الطبيعية للحياة على الأرض ، فإن كل قمة تعقد في هذا العقد هي في الواقع فرصة أخيرة ، أو على الأقل يجب أن ينظر إليها على أنها كذلك.
لماذا هذا العقد ؟ لان العلماء مجمعون على أن دول العالم إذا لم تقم بقطع 45% من انبعاثاتها قبل 2030أي في السنوات الثمانية القادمة فإن النظام الأرضي سينهار .. وهذا فقط كخطوة أولية لالتقاط الانفاس وللتمكن من برمجة حل مستديم للمشكلة .. لأن خفض 45% أو حتى 60% من الانبعاثات لا يحول دون ضرب عتبة 2 درجة سيلسيوس بحلول 2050 ، وإذا كان وضع درجات الحرارة اليوم بهذه الصورة مع 1 درجة ، فكيف سيكون وضعه عندئذ ؟
في ابريل الماضي نظمت الاكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم بالتعاون مع هيئة نوبل السويدية ومعهد بوتسدام لأبحاث تغيرات المناخ ومعهد استوكهولم للمرونة ندوة افتراضية شارك فيها عشرات العلماء والمتخصصون من بينهم 126 حاصل على جائزة نوبل ، وهو رقم قياسي من العلماء وغير مسبوق في التاريخ .. وقد صف العلماء تقريرهم الختامي بأنه "نداء طوارئ" من العلم إلى البشرية.
العلماء تبنوا لغة العلم والدقة في تفسير الأزمة، حيث قالوا إنه يمكن تحديد حالة الاستعجال رياضيا بما يلي :
الاستعجال يساوي حاصل قسمة الخطر على الزمن ، أما الخطر فهو حاصل ضرب التأثيرات في الاحتمالات ..العلماء قدموا المعطيات والمعلومات التي توصلت لها معاهدهم ومراكزهم للتأكيد على أن ارتفاع درجات الحرارة فوق 2 درجة هو أمر مؤكد جدا بالنظر للوتيرة الحالية للانبعاثات خلافا طبعا لما رسمته اتفاقية باريس.
أغلب العلماء الذين صاغوا هذا التقرير موجودون الان في قمة اغلاسكو وهم في الواقع حجر الزاوية في هذا اللقاء التاريخي الذي يدخل به العالم مرحلة العد التنازلي بالنسبة لمشكل التغير المناخي .
نقاشات الكوب 26 صاخبة ومتنوعة والمصالح متضاربة ومتشابكة وهناك مساران ختاميان
أولهما الاتفاق حول ألية الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050، أي صفر انبعاثات . أما المسار الثاني فهو عدم التوصل إلى أي اتفاق ..ومن المؤكد أنه إذا تجاوزنا هنا الشق المتعلق بالصراعات الاقتصادية والحروب التجارية بين الدول الكبرى المسؤولة أساسا عن الانبعاثات إلى القدرات التقنية البحتة فإن التكنولوجيا – وهذا هو الأمر المبشر – قادرة على أن تقدم الحلول والبدائل اللازمة للتحول المأمول والامن من اقتصاد مدمن على الكربون والطاقات الأحفورية الملوثة، إلى اقتصاد قائم على الطاقة المتجددة النظيفة ..
ومن المؤكد أن الحلول التكنولوجية المتوفرة مازالت في بداياتها وتعاني من ضغوط ترتبط أساسا بالأسواق، وبعراقيل قطاع الصناعات الأحفورية، وهو ما يفتح الدور الكبير للسياسات المالية ومؤسسات التمويل لتوجيه دعم هذا التحول الذي لا بديل عنه لتلافي انهيار النظام الأرضي وحماية العناصر الضامنة لاستمرارية الحياة الطبيعية على الأرض.
العراقيل التي تواجهها قمة اغلاسكو في تحقيق أهدافها الإنسانية النبيلة ترتبط أساسا بتناقض المصالح السياسية والاقتصادية، فمن الناحية العملية والتكنولوجية فإن الحلول موجودة وقابلة للتطبيق وليس هناك ما يحول دونها سوى الإرادة الصادقة..
وكل مشكلة هي في الأصل من صنع الإنسان، فلا شك أن حلها موجود ، وما يلزم هو أن تكون طاقة التدخل أسرع وأقوى من حركة الخطر .