انتكاسة مؤلمة للبناء المغاربي

أعلنت الجمهورية الجزائرية "اعتبارا من اليوم" (2021/08/24) قطع علاقاتها الدبلوماسية مع جارتها "الشقيقة" المملكة المغربية. 

الإعلان - المفاجأة غير السارة، جاء في مؤتمر صحفي على لسان وزير الخارجية الدبلوماسي المحترف رمظان (رمضان) العمامره، الذي خبر العمل الدبلوماسي على مستويات متعددة؛ دوليا وإقليميا ووطنيا، بما في ذلك رئاسة مفوضية السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي.

الموقف الجزائري فاجأ الكثيرين من حيث حَدّيته وتوقيته، رغم التوتر الذي بات حالة مزمنة لعلاقات البلدين منذ عقود..

فلم يكن متوقعا أن تصل القطيعة بين البلدين إلى حدها الأقصى بقطع العلاقات الدبلوماسية بينهما. أما من حيث التوقيت، فقد جاء هذا الموقف الجزائري بعد دعوات متكررة من المغرب، لإعادة فتح الحدود بين البلدين، وتصحيح مسار العلاقات بينهما بما يخدم المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين، ومصالح الشعوب المغاربية بشكل عام. كما أن الظروف الدولية الراهنة، في ظل جائحة "كورونا" والركود الاقتصادي العالمي والمخاطر الأمنية المتنوعة، جعلت الدول تتجه أكثر فأكثر نحو التقارب وتكاتف الجهود لمواجهة كل هذه التحديات. 

ولا شك أن موقف المندوب المغربي لدى الأمم المتحدة، بشأن الوحدة الوطنية الجزائرية، كان سقطة دبلوماسية وسياسية منكرة، ليس اتجاه الجزائر وسيادتها ووحدتها الوطنية فحسب، وإنما كان ضربة في الصميم لسياسة المغرب ومطالبها بشأن الصحراء الغربية باعتبارها جزءا من " الوحدة الترابية" للمملكة. 

لكن الاعتذار المغربي عن هذه "السقطة" المشينة، لم يتأخر كثيرا وجاء واضحا وعلنيا من أعلى المستويات على لسان الملك محمد السادس، حين أكد في خطاب العرش (2021/07/31) أن "أمن الجزائر واستقرارها، وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره"، مضيفا القول: "وأنا أؤكد هنا لأشقائنا في الجزائر، بأن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن یأتیکم منه أي خطر أو تهديد؛ لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا". 

وكنا نتمنى (حتى لا أقول: نتوقع)، أن يتجاوب الأشقاء في الجزائر مع هذه الدعوة بإيجابية وبنظرة مستقبلية، حتى لو اعتبروها غير جدية، وذلك لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين ومصالح الشعوب المغاربية عموما، بل العربية والإفريقية بشكل أوسع وأشمل. 

إن العلاقات بين الدول عُرضة للتجاذبات وتضارب المصالح واختلاف التوجهات، وقد تصل حد الصدام العسكري، دون قطع العلاقات الدبلوماسية بينها، والأمثلة على ذلك كثيرة، لأن كل خلاف أو صدام لا بد أن تكون له نهاية، أما مصالح الشعوب فمستمرة ومتصلة، خاصة إذا كانت تربطها حدود مشتركة ومصالح استراتيجية بعيدة المدى. 

ومعلوم أن الدول المغاربية كلها تواجه حاليا الكثير من المصاعب والتحديات التي لا تحتمل المزيد، فكيف إذا كان قطع العلاقات بين أهم ركيزتين من ركائز البناء المغاربي يعول عليهما كثيرا وينتظر منهما الكثير عربيا وإفريقيا..! 

إن القطيعة بين بلدين كبيرين بحجم ومكانة الجزائر والمغرب، تمثل انتكاسة عميقة لتطلعات وٱمال الشعوب المغاربية وللعمل العربي المشترك وجهود الاتحاد الإفريقي للنهوض بشعوب القارة ووقوفها معا في مواجهة التحديات الكثيرة والمتعاظمة..

وأملنا كبير في أن تتغلب الحكمة والرؤية المستقبلية، لتجاوز هذه المحنة المؤلمة لكل أبناء المنطقة ومحبيها، ولتعود العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مجاريها الطبيعية ومسارها الصحيح. 

 

عبد الله إسحاق (Altilimity)
كاتب موريتاني

ثلاثاء, 24/08/2021 - 23:51