
بعد مرور عشرين عاما من طردها من العاصمة كابول على يد القوات الأمريكية، هاهي -من جديد- حركة طالبان تدخلها مظفرة. لكن، هل "طالبان" (جمع كلمة طالب في لغة البشتو) التي تدخل كابول اليوم هي نفس طالبان الأمس؟ تلك الحركة المتزمتة التي نشأت سنة 1994 على يد الملا محمد عمر مجاهد (1959-2013)، في أوساط طلبة المدارس الدينية في ولاية قندهار، والمقربة من الإستخبارات الباكستانية؟
أم أن "طالبان" اليوم هي مجرد علامة تجارية-سياسية ناجحة؟ أو لنقل هي عنوان عريض يجمع بين أطياف وجماعات متعددة، تضم شيوخ القبائل وأمراء الحرب، ولوبيات التطرف في أفغانستان، إلى جانب مصالح لأجهزة إستخباراتية إقليمية ودولية..
اليوم، انسحب الأمركيون لكن، يبقى سؤال جوهري: كم أنفقت الولايات المتحدة خلال العشرين سنة من تدخلها العسكري؟ و كم كلفت حرب أفغانستان الولايات المتحدة؟ سؤال وجيه يتردد في أذهان وعلى ألسنة كثيرين، خاصة بعد أن أكملت تلك القوات الأمريكية -التي بلغ عددها في بعض السنوات أكثر من مائة ألف جندي- إنسحابها من أفغانستان ، التي سيطر عليها اليوم مقاتلو حركة طالبان..
بين سنتي 2010 و 2012 ، عندما كان لدى الولايات المتحدة أكثر من 100.000 جندي في أفغانستان، ارتفعت تكلفة الحرب إلى ما يقرب من 100 مليار دولار سنويًا، وفقًا لأرقام الحكومة الأمريكية.
وبحلول سنة 2018 ، بلغ الإنفاق السنوي حوالي 45 مليار دولار . ووفقًا لوزارة الدفاع الأمريكية، فقد بلغ إجمالي الإنفاق العسكري في أفغانستان من أكتوبر 2001 حتى سبتمبر 2019 حوالي 778 مليار دولار.
بالإضافة إلى ذلك، أنفقت وزارة الخارجية الأمريكية - إلى جانب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ووكالات حكومية أخرى - 44 مليار دولار على مشاريع إعادة الإعمار في أفغانسان.
وبذلك يصل إجمالي التكلفة - استنادًا إلى البيانات الرسمية الأمريكية - إلى 822 مليار دولار بين عامي 2001 و 2019 ، لكنه لا يشمل أي إنفاق في باكستان، التي تستخدمها الولايات المتحدة كقاعدة للعمليات المتعلقة بأفغانستان.
وفقًا لدراسة أجرتها جامعة براون في سنة 2019، والتي درست الإنفاق على الحرب في كل من أفغانستان وباكستان، فقد أنفقت الولايات المتحدة حوالي 978 مليار دولار (تشمل التقديرات أيضًا الأموال المخصصة للسنة المالية 2020).
وتشير الدراسة إلى أنه من الصعب تقييم التكلفة الإجمالية لأن الأساليب المحاسبية تختلف بين الدوائر الحكومية، كما أنها تتغير بمرور الوقت، مما يؤدي إلى تقديرات عامة مختلفة.
لكن هل هذا المبلغ هو كل ما أنفقته الولايات المتحدة على الحرب في أفغانسان؟ وهل يشمل ما أنفقته CIA وحدها مثلا؟
ولعل ما يتضح من خلال تحقيق صحفي أجرته شبكة BBC هو أن المئات من مليارات الدولارات قد عجزت في النهاية عن السيطرة على شعب وأرض هي أفغانستان، وحركة طالبان التي لا تموت، رغم أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من ترليون دولار وظلت تصرف في أفغانسان ما معدله اليومي حوالي 140 مليون دولار طلية العشرين سنة الأخيرة..
في نفس المدة، تمكن مقاتلو طالبان أكثر من قتل 2300 جندي أمركي وجرجوا أكثر من 20 ألفا منهم. كما قتلوا أكثر من 60 ألفا من القوات النظامية الأفغانية.
ويبقى السؤال الملح.. كيف صرفت الولايات المتحدة الأمريكية من أموال الشعب الأمريكي أكثر من ترليون دولار في حرب أفغانسان؟ وما هي التكلفة النهائية لتلك الحرب العبثية؟