تتطلب تكتيكات العمل النقابي رفع سقف مطالب أصحابه مع تعيين كل وزير جديد والتحرك الميداني لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة لمنتسبيه؛ بكل الطرق التي يسمح بها القانون.. كنت كباقي الزملاء متخوفاً من بعض شعارات الإصلاح العلنية التي تأتي بنتائج عكسية في الغالب. فليس من الغريب في ظل وضع يسوده الترقب الحذر أن تدخل طواقم التدريس في إضرابات حماية لمصالحها.
لقد طالبت ،وقتها، بإعطاء فرصة لوزير التهذيب بحكم أن لديه إرادة جادة للإصلاح؛ وافقني البعض في هذا الطرح ؛ في حين تحفظ آخرون على ما اسموه بالدعاية المغرضة.
يدرك المهتمون بالتعليم أنه بحاجة لتحيين موارده البشرية والمادية؛ ليتمكن المسؤولون عنه من وضع إستراتيجة هادفة لإصلاحه بعيدا عن مشاريع تبديد المال العام التي انهكت طواقمه الإدارية والتربوية..
كان من الطبيعي أن يصطدم إصرار الوزير الحالي على وضع قاعدة بيانات صلبة للإصلاح؛ بأجندات مختلفة؛ قدلا ترى ضرورة لذلك بحكم مساسه بمصالحها الحيوية.
ورغم وتيرة التصعيد؛ فقد تمكن ولد أييه من تنفيذ الرؤية المحددة لأسس المدرسة الجمهورية وبأقل خسائر؛ على عكس ما توقعه كثيرون.
فقد استطاع اجتياز النزال مع النقابات بمهنية وبمرونة؛ خلت من لغة العنف والتهديد؛ الأمر الذي جعل معظم رؤساء النقابات يقتنعون بإستراتيجة معالي الوزير بحكم خدمتها لمصالح المدرس قبل كل شيء .
والحق أن النزا ل مع النقابات حكمته ضوابط عقلانية وضع أصحابها المصالح المشتركة في مقدمة أولوياتهم؛ وهو ما جعل الوزير يقدم تنازلات مهمة في سبيل وضع رؤية تشاركية يشعر الجميع بأنه جزء منها.
ومع ذلك لم يخل ذلك النزال رغم نضجه من بعض العراقيل التي كادت أن تُعيده لمربعه الأول في كل خطوة يخطوها إلى الأمام.
عاد المدرسون إلى أقسامهم مصممين على تحقيق أكبر نسبة نجاح في الامتحانات الوطنية في أطول سنة دراسية عرفها التعليم بموريتانيا منذ نشأته.
لم تتوقع الطواقم التربوية ولا الإدارية أنها ستدخل في حرب غير تقليدية مع أكثر من مئتي ألف مترشح لشهادات مراحل التعليم المختلفة.
فقد استطاع التلاميذ بتقنيات متطورة اختراق الوسائل التقليدية للرقابة لدى الوزارة؛ من خلال استخدام الساعات والهواتف الذكية بصورة محكمة.
بدت قاعات الامتحانات خصوصا في الباكالوريا أشبه بساحات حرب فيها كل مواصفات المعارك من دعم ومساندة؛ يشنها جيش منظم؛ يعتمد على جمع المعلومات وتوصليها بسهولة..وبصورة أربكت دفاعات الوزارة المعنية .
أصبح الوزير أمام الأمر الواقع ..إنها حرب عصابات تُدار باحترافية من قبل جيوش الكترونية خارج الميدان وداخله.وتستعمل فيها القوة لتحقيق المكاسب وللدفاع عن الأهداف.
حالتا مركزي باب الفتح والنعيم أثبتتا أن الأمور كانت ستخرج عن السيطرة لولا صرامة وحزم رئيس المركز ويقظة قوات الأمن..
الخطير في الأمر أن بعض المصادر تحدثت عن قرصنة عابرة للقارات؛ فالمواضيع تنشر بعد دقائق من توزيعها؛ وفي مناطق مختلفة من العالم .وهو ماجعل اللجنة الفنية في اجتماعها أمس تطرح احتمالية إلغاء امتحانات المراكز التي استخدمت فيها القوة المادية والألكترونية لإيصال حلول المواضيع للتلاميذ داخل القاعات.
بذل الأساتذة المراقبون ورؤساء اللجان جهوداً خارقة للتصدي لجيوش الكترونية؛ أظهرت عمليات أصحابها أنهم تمرنوا عليها أكثر من مراجعتهم لمقررات الوزارة.كما نجح الوزير في وضع المجتمع أمام مسؤولياته من خلال قرارات صارمة أدت لطرد من ثبت تورطهم في الغش والتشهير بأسماء من أدخلوا هواتفهم لقاعات الامتحانات؛ وثمة خطوات استباقية تعدها الإدارة المعنية للقضاء على محاولات الغش في الدورة الثانية من الباكالوريا.
إن طبيعة الوسائل المستخدمة من قبل المترشحين للامتحانات تتطلب من الوزارة الوصية إنشاء خلية معلوماتية بالتعاون مع وزارة الداخلية وسن ترسانة قانونية للتصدي بحرفية لهذه الظاهرة التي أصبحت أشبه بحرب عصابات تهدد السكينة العامة؛ بعد أن دفعت العاطفة معظم الأولياء الأمور للدفاع عن أخطاء أبنائهم على فداحتها.
د أمم ولد عبد الله