هذه الورقة غير موجه للذين لا يجدون صبرا على القراءة, فهي تحاول أن تجعل موضوعا علميا في متناولالجميع دون أن تشوه الحقيقة العلمية, وأن توجز دون إخلال, وأن تجمع بين الصرامة العلمية وما أمكن من انسيابية القراءة.
نظرا لأهمية الهدروجين في الكثير من الصناعات, يمكن أن يهيئ الهدروجين الأخضر ظروف خلق بنية صناعية في منطقة الشمال تشكل رافعة تنموية حقيقية, ولكي يتحقق ذالك يجب أن نردم الهوة المعرفية بيننا والشركاء وذلك من خلال الاستفادة من تجارب الأشقاء ومعارف المجتمع العلمي لأن القدرة التفاوضية لكل طرف يحددها مدى اختلال تناظر المعلومات بين أطراف التفاوض. كما يتطلب تحقيق ذلكأيضا صياغة رؤية لهذا التحول الصناعي ووضع خطة لبلوغه. في هذه الورقة سأوضح علاقة الطاقة بالبيئة, وآليات إنتاج الهدروجين, وما هو الهدروجين الأخضر, ولكنني ٍسأبدأ بالأسئلة التي يجب أن تجيب عليها الوزارة إنارة للرأي العام, ومنتخبي الشعب, والمجتمع العلمي.
1. تضع موريتانيا تحت تصرف أطراف هذا المشروع مساحة هائلة, تعادل %82 من مساحة ولاية كيدي ماغا أو %81 من مساحة دولة لبنان, في منطقة من أكثر مناطق العالم تدفقا للطاقات المتجددة فما هو نصيبها من الأسهم أو من الطاقة الكهربائية ومن الهدروجين المنتج ومن ضريبة الكربون التي ستدفعها الشركات المستفيدة من الهدروجين الأخضر. طبعا لا أتوقع أن تكون الإجابة أن نصيب موريتانيا عمالة تنظيف الألواح, أو أننا نفعل ذالك شفقة على سكان المدن الكبيرة عبر العالم التي تعاني من التلوث بالجزيئات الدقيقة المصاحبة لعوادم السيارات, لأننا إذا لم نكن أحق من الناس بالشفقة فلسنا بأقل منهم حقا. كما أنني لا أتوقع أن تكون الإجابة هي أننا إنما نفعل ذلك تكفيرا عن شعورنا بالذنب من التلوث الهائل الذي تسبب فيه أجدادنا وهم يعبرون الصحراء على ظهور العيس دون أن يستخدموا قطرة وقود واحدة, فإننا من أحق شعوب العالم بعدم الشعور بالذنب من الوضعية البيئية لأننا ببساطة أقل شعوب الأرض إسهاما فيهاوالسيارات التي تستخدم الهدروجين قد لا تصلنا قبل نهاية العمر الافتراضي لمحطات هذا المشروع.
2. لإنتاج الهدروجين الأخضر تستخدم الطاقة الكهربائية التي تنتجها محطات للطاقة المتجددة في تفكيك جزيئات الماء وإذا افترضنا أن الطاقة الكهربائية التي سينتجها هذا المشروع ستستخدم كاملة في إنتاج الهدروجين فان ذلك سيستهلك على الأقل 11 مليون متر مكعب من الماء سنويا فقط لإنتاج الهدروجين هذه الكمية تساوي ربع الطاقة الحالية لمشروع آفطوط الساحلي ويجب أن لا تسحب هذه المياه من البحيرات الجوفية الصحراوية بطيئة التجدد لضعف التساقطات المطرية لأن ذلك سيشكل استنزافا لها, كما أن هذه البحيرات يجب أن لا تستنزف في عملية تنظيف الألواح الشمسية. توجد تقنية ناضجة لإنتاج الهدروجين من مياه البحر طورتها شركة أمريكية تدعى (sHYp) فإما أن نستخدم هذه التقنية وإما أن ننقل الكهرباء المنتجة إلى مدينةانواكشوط وأن نجعل مصانع إنتاج الهدروجين على مقربة منها لتستخدم مياه آفطوطالساحلي, وإما أن تمدد شبكة مياه آفطوط الساحلي نحو الشمال مع زيادة قدرتها, وأعتقد أن هذا قد يكون الخيار الأفضل لأنه يسمح بحماية البحيرات الجوفية وبتغذية مدن الشمال الساحلية من مياه النهر.
3. تضع الدولة الموريتانية مساحة ولاية كاملة تقريبا تحت تصرف أطراف هذا المشروع, قد تحتوي هذه المنطقة على ثروات طبيعية فهل سنحتفظ لأنفسنا بحق التنقيب في هذه المنطقة وإذا تم اكتشاف ثروات ذات مردودية فهل سيتم نقل الألواح من المنطقة لنتمكن من استغلال هذه الثروات ومن سيتولى كلفة ذالك؟
4. تطور الشركة الوطنية للنفط والغاز في سلطنة عمان الشقيقة مشروعا مماثلا لإنتاج الهدروجين الأخضر بالشراكة مع شركة في هونكونغ فهل تم الاتصال بالأخوة في سلطنة عمان لتبادل التجارب بهدف زيادة قدراتنا التفاوضية. وهنا أريد إن أنبه إلى أن مستوى الاختلال في تناظر المعلومات بين الشركاء يحدد القدرة التفاوضية لكل طرف, وأن المعلومات علوم ومعطيات, ولذلك من المهم الاستعانة بالمجتمع العلمي والصناعي وبتجربة الإخوة في سلطنة عمان وبقية البلدان الشقيقة لتحجيم الاختلال في تناظر المعلومات بيننا وبين الشركاء وتحسين قدراتنا التفاوضية.
5. يستخدم الهدروجين في تكرير النفط, في عملية تنقيته من الكبريت وفي ما يعرف بالتكسير الهدروجيني للجزيئات الكبيرة إلى جزيئات اصغر تناسب استخدامات معينة, كما يستخدم فيصناعة الأسمدة ويمكن استخدامه لتخفيف الأثر البيئي لصناعة الفولاذ, وذلك من خلال استخدامه كبديل لأول أكسيد الكربون في تفاعل اختزال أكسيد الحديد وهو ما ينتج عنه تخفيض كبير للانبعاثات الكربونية المصاحبة لصناعة الفولاذ والتي تجعل هذه الصناعة من أكبر الصناعات إسهاما في الاحتباس الحراري. من الواضح إذن أن وجود هذا الإنتاج الكبير من الكهرباء النظيفة و الهدروجين الأخضر في هذه المنطقة التي تحتوي على صناعات استخراجيةكبيرة وتجربة في تكرير النفط يوفر الظروف التي تسمح بتحول المنطقة إلى واد للصناعات منخفضة الانبعاثات الكربونية, إلى متنفس للكوكب, ورافعة حقيقية لتنمية صناعية, فهل تمتصياغة رؤية لهذا التحول الصناعي وخطة لبلوغه؟
باعتبار أنني لست على اطلاع بحيثيات هذا المشروع, فإن بعض هذه الأسئلة قد يكون سابقا لأوانه, ولكن أن نطرح الأسئلة قبل أوانها خير من أن نطرحها بعد فوات الأوان.
I. الطاقة والبيئة
أدرك الإنسان منذ أن تسنى له التحكم بالنار, وبدأ يتخذ مواقد لاستخدام الطاقة الحرارية الناتجة من احتراق المواد العضوية للطهي والاصطلاء, أن دخانها ضار وكريه, لا يحمله على تحمله إلا حاجته للحرارة و الإنارة. ثم جاء المحرك الحراري لتصبح حرارة الاحتراق طاقة عمل, فتزداد مركزيتها في الحياة البشرية وارتباط الإنسان بها, ثم جاءت الطاقة الكهربائية لتجعل من الاحتراق شريان حياة, يُنقِّصهشعور دائم بأن الغازات الناتجة عنه لا يمكن أن تكون دون ضرر. وعندما تبين العلم ظاهرة الاحتباس الحراري وعلاقته بغازات الاحتراق وتأثير ذلك على الأوساط البيئية ومستوى مياه البحر وتكشفت الآثار الصحية لتلوث هواء المدن بالجزيئات الدقيقة, تعاظم الشعور بأن آليات تلبية حاجاتنا من الطاقة مسؤولة عن تغيرات بيئية وأخطار صحية قد تكون نتائجها كارثية. ومع اكتشاف الأضرار الصحية للإشعاع والصعوبات المرتبطة بتخزين نفايات المفاعلات تبين أن الطاقة النووية لا يمكن أن تكون هي الحل, هذا عدا عن كونها تعتمد على عنصر كيميائي محدود الوجود ويتم استنزافه بوتيرة كبيرة, ليتبلور الاعتقاد بأن الطاقات المتجددة, طاقات التدفقات المائية والهوائية والفوتونية وطاقة حرارة الأرض هي الحل.
شيدت سدود كثيرة للتحكم بالأنهار وإنتاج الطاقة الكهربائية من طاقة جريان المياه دون عوادم احتراق ودون تأثير على صحة الناس أو تسبب في الاحتباس الحراري, ولكننا تبينا أن ذالك تسبب في تغيرظروف حياة كثير من الكائنات وقد يهدد حياتها وبدأ الشعور بأننا نعامل بقية الكائنات في هذا الكوكب معاملة قاسية وأننا ندمر الأنظمة البيئية بوتيرة تفوق قدرتها على التجدد. استخدمت عنفات هوائية لإنتاج الطاقة الكهربائية من طاقة جريان الهواء ترتفع عن الأرض أحيانا عشرات الأمتار فهي لا تنتج عوادم ولا تدمر الأنظمة البيئية للكائنات الموجودة في المنطقة ولكن سرعان ما ظهر مفهوم التلوث المرئي وتعاظم الشعور بأن هذه العنفات تشوه المناظر الطبيعية وأنها كريهة الصوت والمنظر. حتى أصبحت حكومات دول الوعي البيئي تتربص, كعظاءة الرمال الحارقة لصحراء نامبيا, لا تعرف على أي رجل تقف. أصبحت الطاقة الشمسية هي الطاقة الوحيدة التي تسلم من انتقادات ناشطي البيئة ومحبي بقاء المناظر الطبيعية خالية من عبث يد الإنسان القاهرة. لكن الطاقة الشمسية طاقة نهارية يختلف تدفقها من ساعة لأخرى,ومن يوم ليوم حسب الأحوال الجوية, هذا التأرجح والتقطع لا يسمح بتلبية حاجات الناس من الطاقة التي تتأرجح بوتيرة مغايرة, ولنتمكن من خلالها من تلبية حاجات الناس دون اللجوء إلى مصادر الطاقةالمسؤولة عن التلوث فإننا يجب أن نحولها إلى شكل من أشكال الطاقة القابلة للادخار والتي لا تنتج ملوثات بيئية عند استهلاكها, لنتمكن من استخدامها وقت الحاجة, وهنا تكمن أهمية الهدروجين, فهو طاقة كيميائية يمكن ادخارها ولا ينتج ملوثات عند استخدامه.
I. الهدروجين الأخضر
الهدروجين عنصر كيميائي هو الأول في الجدول الدوري للعناصر فلا تحتوي نواته إلا على بروتون واحد وله ثلاثة نظائر*. يعتبر الهدروجين مع الهليوم من اصغر العناصر حجما وهو أخفها على الإطلاق وسنعرف أن لهذه الخفة انعكاساتها. كلمة الهدروجين - والتي تعني باليونانية مولد الماء لأنه تبين عند اكتشافه أن الماء ينتج عن تفاعله مع أكسجين الهواء - هي اسم العنصر الكيميائي أي ذرة الهدروجين ولكنها تطلق تجاوزا على غاز ثنائي الهدروجين H2 وهو الذي نقصد في سابق النص ولاحقه. والهدروجين غاز لا يوجد في الغلاف الجوي للأرض إلا بنسبة تكاد تكون معدومة )أثر( والسبب في ذالك هو أنه لخفته لا سلطان للجاذبية الأرضية عليه فهو بجدارة اسبارتاكوس الغازات متحرر من أغلال الجاذبية. وذالك لأن سرعته عند درجات الحرارة القائمة في الطبقات العلوية من الغلاف الجوي تفوق سرعة التحرر من الجاذبية الأرضية, فهو يتسرب من الغلاف الجوي للأرض بوتيرة 3 كيلوغرامات لكل ثانية**.
يعتقد الكثيرون ويرددها بعض الخبراء الذين لا يأخذون الوقت لتحقيق وتحيين معلوماتهم أن غاز الهدروجين لا يوجد طبيعيا على كوكبنا, وهذا غير صحيح. فإنه وإن كان لا يوجد في الغلاف الجوي إلا أثرا كما بينا فإنه يوجد في القشرة الأرضية لا شك في ذلك. وهو يَنتُج عن تفاعل الماء مع الحديد داخلالصخور الرسوبية الفقيرة أو الخالية من المواد العضوية. ويعود سبب خلوها من المواد العضوية إلىتاريخ تشكلها. وهي تشكيلات جيولوجية لم تخضع للكثير من الاستكشاف لأنها ليست مظنة للنفط لفقرها بالمواد العضوية, هذه آلية من آليات تشكل الهدروجين الطبيعي وقد توجد آليات أخرى يعمل المجتمع العلمي والصناعي على فهمها واستغلالها. توجد للهدروجين الطبيعي اليوم منابع في بلدان كثيرة لا يستغل منها فعليا إلا مصدر واحد يوجد في جمهورية مالي المجاورة, وهو يستخدم لتشغيل عنفة صغيرة لتوليد الكهرباء دون عوادم كربونية. الهدروجين الطبيعي إذن قطعي الوجود, ويزداد الاهتمام به من طرف الحكومات والمستثمرين والمجتمع العلمي, لكن من غير المتاح اليوم التكهن بكمياته, وإمكانية استغلالهوكلفة ذلك, وتأثيره المستقبلي على سوق الهدروجين الصناعي وعلى مردودية مشاريع الهدروجين الأخضر.
يُنتَج الهدروجين الصناعي, وهو الذي يلبي حاجات البشرية من الهدروجين, لأن كميات الهدروجين الطبيعي المستغلة تكاد تكون معدومة, بعدة طرق من أهمها الإصلاح البخاري لغاز الميتان ويُنتَج بهذه الطريقة ما يقارب %70 من الهدروجين المستخدم اليوم. ويتم ذلك من خلال تفاعل غاز الميتان مع بخار الماء عند درجة حرارة مرتفعة ليعطي غاز الهدروجين و أول أكسيد الكربون ثم يتفاعل أول أكسيد الكربون مع بخار الماء من جديد ليعطي الهدروجين وثاني أكسيد الكربون. في هذه العملية يستخدم الميتان كمتفاعل وكوقود لتوفير الحرارة الضرورية لهذا التفاعل. ويصاحب كل كيلوغرام من الهدروجين المنتجبهذه الطريقة انبعاث غازات كربونية تعادل 13 كيلوغرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون وإذا صاحبتهذه العملية عملية تجميع واحتجاز لثاني أكسيد الكربون الناتج فإن أثرها ينخفض إلى ما دون 5 كيلوغرامات من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. أما الطريقة الثانية والتي ينتج بها اليوم ما يزيد على %25 من غاز الهدروجين فهي عملية تغويز الفحم ويتم خلالها تفاعل الفحم وبخار الماء عند درجات حرارة عالية لينتج الهدروجين وثاني أكسيد الكربون وهي شديدة التلويث فهي تُصاحب بانبعاث 20 كيلوغرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوغرام من الهدروجين. والهدروجين المنتج بهاتين الطريقتين يسمى بالهدروجين الرمادي, فإذا صاحب عملية الإنتاج تجميع واحتجاز لثاني أكسيد الكربون سمي الهدروجين بالأزرق.
أما الطريقة الثالثة فهي عملية التحليل الكهربائي للماء لإنتاج غازي الهدروجين والأكسجين وهي في حد ذاتها لا تُنتج غازات كربونية فيحدد إذن مصدر الطاقة الكهربائية المستخدمة أثرها البيئي. فإذا كانت الطاقة الكهربائية المستخدمة مصدرها الطاقة الشمسية أو الهوائية أو طاقة جريان المياه كانت عملية إنتاج الهدروجين نقية وسمي الهدروجين الناتج بالهدروجين الأخضر. وإذا كان مصدرها الشبكة الكهربائية لبلد ما, حددت درجة نقاء عملية إنتاج الكهرباء في هذا البلد الأثر البيئي لعملية إنتاج الهدروجين. فمثلا إذا استخدمنا الشبكة الكهربائية في فرنسا التي تُنتَج الغالبية العظمى من الكهرباء فيها من خلال الطاقة النووية - التي مع عيوبها المرتبطة بخطر الإشعاع والحوادث الصناعية المرتبطة به,وعمر النفايات النووية وصعوبة تخزينها, فهي خالية من الانبعاثات الكربونية – أطلق على الهدروجين الناتج الهدروجين الأصفر. هذه الألوان اصطلاحية تعبر إذن عن الأثر البيئي لعملية إنتاج الهدروجين ولا علاقة لها بدرجة النقاء الكيميائي للهدروجين المنتج كمادة, كما كتب أحد الإخوة, ولا علاقة البتة لتسمية الهدروجين بالرمادي ببقاء نسبة من الكربون ملتحمة بذرات الهدروجين. توجد طرق أخرى لإنتاج الهدروجين لكنها لا تزال في طور البحث المخبري أو التجريب الصناعي.
قبل أن انهي هذه الورقة أريد أن أبين مسألة أخيرة هي أن الهدروجين الطبيعي مصدر للطاقة, أما الهدروجين الصناعي فهو ليس مصدرا للطاقة وإنما حامل طاقي, وهذا يعني أننا للحصول عليه نستخدم طاقة معينة وأن هذه الطاقة تفوق الطاقة التي سنحصل عليها عند استخدامه, حاله في ذالك حال التيار الكهربائي فهو أيضا حامل طاقي. أهمية الحامل الطاقي تكمن في تسهيل عملية نقل أو توزيع أو ادخار الطاقة أو تحولها من شكل إلى آخر. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الهدروجين الصناعي الذي ننتجه اليوم لا يستخدم منه كحامل طاقي إلا نسبة قليلة لأن الغالبية العظمى منه تستخدم كمتفاعل. وإن جانبا كبيرا من الاهتمام به اليوم مرتبط باستخدامه كحامل طاقي يتم من خلاله إنتاج طاقة ميكانيكية تستخدم كقوة دفع للسيارات عبر عملية تحول طاقي خالية من الانبعاثات الكربونية ولا تلوث هواء المدن بالجزيئات الدقيقة ولكن استخدام الهدروجين الأخضر كمتفاعل لا يقل أهمية من الناحية البيئية عن استخدامه كحامل طاقي فهو يسمح بتنقية كثير من الصناعات شديدة التلويث باستخدامه كبديل عن متفاعلات أخرى ومن بين تلك الصناعات صناعة الفولاذ كما بينا سابقا.
لقد جربنا ونجرب اليوم مع شركات كثيرة تسليم الثروات ورقاب المواطنين لجشع الشركات الأجنبية واستهتارها بذريعة جلب الاستثمار الأجنبي. وعلينا أن ندرك أن جلب الاستثمار الأجنبي دون قدرة حقيقية على التفاوض لن يجلب إلا الرزية والاحتقار. علينا أن نحسن قدراتنا التفاوضية وأن نعد لذلك عدته من معارف علمية ومعطيات فهي لوازم التفاوض. إن الوضعية المعرفية لبلدنا اليوم تختلف تماما عن حقب سابقة فقد أصبحنا ويكاد لا يوجد اختصاص إلا وبيننا من له به سلطان. ويجب أن نمتلك الثقة الضرورية لشغل قمرة القيادة التي تعود لنا طبيعيا في بلدنا. إن القدرة التفاوضية لا غنى عنها وتحسينها في المتناول, ولكنها لا تغني عن أن تكون المصلحة العامة هي المحرك الوحيد للقائمين على التفاوض باسمنا وعن آليات لضمان ذلك من خلال جهة للمتابعة والتحقق مؤهلة ولا تخضع لوصاية الجهة المسؤولةعن التفاوض. ضاعت مقدرات البلد بين جهل القائمين على التفاوض, واستلابهم المرضي, وخيانتهم للمسؤولية. لا يزال الاستلاب المرضي للأسف الشديد ينخر نفسيات كثير من أبناء هذا البلد يتجلى في خضوعهم الغريب للغربيين والأتراك والصينيين في كل المواقف والمعاملات.
يجب أن نستغل مقدراتنا من الطاقات المتجددة والهدروجين الأخضر الناتج عنها, بشكل مختلف, يضمن أن نتحكم بقمرة القيادة, وأن يكون لنا من عائداتها نصيب الأسد. إن التحكم بقمرة القيادة مفتاح ضمان استفادتنا من مقدراتنا يكفي لتبين ذلك أن نقارن عائدات شركة اسنيم والتعدين الأهلي على الأمة والمجتمع بعائدات كل المقدرات الأخرى التي قبلنا فيها بدافع الجهل أو الاستلاب أو الخيانة تسليم قمرةالقيادة لجشع الشركات الأجنبية. لسنا في تنافس أو سباق مع الإخوة في المغرب أو بقية الأشقاء, خلافا لما سمعت من أحد أطر الوزارة في تسجيل تعريفي بالمشروع, لأن حاجات العالم من الطاقات المتجددة تسعنا جميعا, ويجب أن لا يستخدم ذلك كذريعة لتصفية مقدراتنا الطاقية, بل تجب الاستعانة بتجارب الأشقاء لوضع التصور الأمثل لاستغلال مقدراتنا الطاقية. مرة أخرى أكرر يجب ألا نتنازل عن قمرةالقيادة لأنها مفتاح ضمان الحقوق. وقمرة القيادة تعني إدارة الشركة, وامتلاك ما يزيد على نصف أسهمها, وحصر التقاضي أمام القضاء الموريتاني. ويجب أن ندرك أن شركة اسنيم قادرة على قيادة هذا المشروع وتنفيذه فهو ليس معقدا من الناحية العلمية والصناعية وأثره البيئي يجعل توفير تمويل له ليس بالأمر الصعب.
وفق الله وأعان.
د. م. شماد ولد مليل نافع
)* (تختلف نظائر العنصر في عدد النيترونات داخل النواة. ونظائر الهدروجين ثلاثة أحدها وهو الأوسع انتشارا لا تحتوي نواته على نيترون والثاني على نيترون واحد أما الثالث فتحتوي على نيترونين وهو مشع يتحول من جراء ذالك إلى هليوم.
)** ( ليس تحرر الهدروجين من الجاذبية هو الصعوبة الوحيدة المرتبطة بخفته فهي أيضا تصعب تقدير تواجده في المواد الصلبة. فنحن نستخدم تقنية MEB-XPS لتحديد مستوى تواجد العناصر الأخرى وهي تقنية متوفرة في جميع المخابر أما إذا أردنا تقييم نسبه الهدروجين فنحتاج إلى استخدام تقنية ERDA وهي مختلفة تماما من حيث التعقيد والتوفر. كما أن خفته تطرح مشكلة نقله وتخزينه فهو شديد التسرب وهو ما يفسر أن الكمية المنتجة منه اليوم تستخدم بشكل شبه كامل في مكان الإنتاج.