تتوفر الموريتانيا على ثروة سياحية غنية لا تتمثل فقط في تنوع جغرافيته التي تجمع بين الجبل والبحر والصحراء، بل أيضا في تنوع مكوناته الحضارية التي تجمع بين موروثه العربي، والإفريقي. إلى جانب تجذره التاريخي الذي يتجسد في هذه المدن القديمة عريقة في القدم ولاتة.تشيت.شنقيط.وادان.كومبي الصالح.....، بالإضافة إلى مجموعة التاريخية المتمثلة في العديد من الأضرحة والقبور.. والمدارس العلمية، وبعض المعالم العمرانية كزخرفة الولاتية لكن زيارة خاطفة إلى مختلف هذه المعالم التاريخية تجعل أي سائح، سواء كان أجنبيا أو موريتانيا، يحس بأنه أمام جدران صماء، ومعالم خرساء لا تشفي غليله في معرفة تاريخها، أو التعرف على الحياة الماضية التي تختزنها نظرا لعدة عوامل؛ من أهمها الإهمال الذي يطالها في غياب أية صيانة أو ترميم، إلى جانب عدم تواجد أي مشرفين أو محافظين أو حتى مرشدين يقومون بتعريف السواح بتاريخ هذه المآثر، والتطورات السياسية أو الاجتماعية التي شهدتها.
فعلى سبيل المثال، يمكن لأي سائح أن يزور معلمة ويتحرك بدون هدى بين دروب هذه المعلمة التاريخية العريقة، دون أن يجد أي مرشد ليقص عليه التاريخ القديم لهذه المدينة، وأصل هذه التسمية، والتطورات التي عرفتها هذه المدينة...، وبالتالي، يضطر، بعد التقاط بعض الصور، إلى مغادرة هذا المكان التاريخي كما دخله خاوي الوفاض. ولعل هذا الوضع يسري على زيارة مختلف المآثر التاريخية. فإلى جانب الافتقار إلى مرشدين سياحيين متخصصين في هذا المجال، نجد أن المسؤولين على تدبير هذه المعالم التاريخية التي كانت تضج بالحياة في فترات من فترات بنائها وتطورها، لا يفكرون مجرد تفكير بسيط في إعادة الحياة إلى هذه المعالم التاريخية لاستقطاب السواح وجذبهم من خلال عدة إجراءات تهم بالأساس:
- وضع لباس تراثي لهذه المعالم التاريخية يرمز إلى اللباس الخاص الذي كان يرتديه سكان هذه المعالم التاريخية في فترات من فترات تاريخها، سواء، ضريحا، أو مدرسة...، فما الذي يمنع من تصميم ألبسة وما المانع مثلا من أن يتم إلباس المستخدمين المشرفين فهذا بلا شك سيضفي حيوية على هذه المعالم، وسيشجع السواح على التقاط صور لهم بمختلف هذه الألبسة، الشيء الذي سيدر دخلا على الجهات المدبرة لهذه المعالم التاريخية؛ وذلك على غرار ما تقوم به بعض الدول في اجتذاب السياح، سواء بمصر، أو الصين، وغيرها.
- التنشيط الثقافي لهذه المعالم التاريخية؛ إذ يمكن على سبيل المثال أن تتم إقامة تظاهرات موسيقية أو ثقافية أو مسرحية في فضاءات هذه المعالم على غرار ما تقوم به العديد من الدول التي تعتمد على السياحة الثقافية، فلبنان استغل فضاء بعلبك لإقامة مهرجان سنوي، وتونس استغلت ما تبقى من فضاء قرطاج لإقامة مهرجان سينمائي أو مسرحي...
- العمل على تحويل هذه المعالم التاريخية إلى فضاءات تعج بالحياة؛ وذلك من خلال تكليف فرق مسرحية بتمثيل بعض مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت تعرفها هذه المعالم في السابق. - وضع علامات تشوير وتنبيه إلى اتجاهات تواجد أبرز المعالم التاريخية التي تؤثث الفضاء الموريتاني من أضرحة، وزوايا...
- وضع خريطة سياحية بكل المآثر والمعالم التاريخية المتواجدة في مختلف أنحاء الموريتانيا.
- وضع دليل سياحي حول مختلف المآثر التاريخية يحدد تاريخ إنجازها، ونبذة عن التطورات التاريخية والاقتصادية والعمرانية التي شهدتها... السياحة الثقافية وتكوين المرشدين السياحيين إن أي سياحة بدون دليل هي سياحة تائهة، وأي سياحة بدون مرشد هي سياحة عمياء، خاصة إذا كانت سياحة ثقافية. وبالتالي، فإنه من الغريب أن تجد أن هناك شبه غياب لمرشدين سياحيين متخصصين بالموريتانيا. فإذا كان القطاع السياحي بالموريتانيا يتوفر على رفقاء سياحيين (accompagnateurs touristiques) بالإضافة إلى أدلاء (guides touristiques) مرخص لهم من طرف الجهات المعنية، أو أولئك غير المرخص لهم، أو ما يطلق عليهم بـ(faux guides)، فهو يفتقر إلى مرشدين سياحيين متخصصين في التعريف بتاريخ الموريتانيا ومكوناته الحضارية، والثقافية، والفنية...
فبخلاف العديد من الدول، بما فيها بعض الدول العربية، التي تتوفر على مرشدين سياحيين متخصصين في التاريخ السياسي والاجتماعي لبلدانهم، نجد أن هناك خصاصا مهولا في عدد المرشدين في هذا الصنف. إذ كثيرا ما يتم الخلط بين الدليل والمرشد السياحي؛ حيث تجد أن الدليل الذي يكون في الغالب غير متخصص هو الذي يقوم بمهمة المرافق، والدليل، والمرشد.
وبالتالي، فهو إن أتقن التكلم ببعض اللغات الأجنبية، تجده عادة لا يحيط بتاريخ الموريتانيا ولا بحضارته، ويقتصر في الغالب على ترديد مجموعة من المعلومات التاريخية بدون تعمق ولا تمحيص، ليس لكونه غير مؤهل، بل لأنه لم يكوَّن بالأساس لمهمة الدليل أو المرشد السياحي. وهذا يرجع بالأساس إلى أن السياسة السياحية الرسمية المتبعة منذ عدة عقود لم تركز على تكوين وتخريج مرشدين أو أدلاء من هذا الصنف. فعلى الرغم من اهتمام هذه السياسة بإنشاء مجموعة من المدارس الفندقيه التي تخرج فيها العديد من الطلبة والطالبات المتخصصين في مجال الطبخ، وترتيب الأسرّة في الفنادق، ومضيفات في الاستقبال.... فإن هناك شبه فراغ في تكوين المرشدين والأدلاء في السياحة، خاصة السياحة الثقافية التي تبقى من بين المهن الحرة وإن كانت مرتبطة بهذا القطاع السياحي. ففي مصر على سبيل المثال عادة ما يتم فرض مجموعة من الشروط والمؤهلات العلمية في الأشخاص الذين يلجون هذا المجال؛ إذ يشترط أن يكون الدليل متوفرا على شهادة جامعية، سواء في اللغات أو في مادتي التاريخ والجغرافية، ليخضع إلى تكوين خاص لمدة عامين يدرس فيها كل المواد المتعلقة بالتاريخ الفرعوني القديم، والتاريخ الإسلامي، والتاريخ الحديث لمصر قبل أن يجتاز مباراة أمام لجنة ترخص له بامتهان هذه الحرفة، والتعامل مع وكالات الأسفار التي تلجأ إلى خدماته لتعريف زبنائها