واصلت أسعار خامات الحديد مكاسبها، وكسرت حاجز ال 200 دولارا للطن لأولة مرة في التاريخ بعد عدة قفزات يومية كبيرة بواقع أكثر من 10 دولارا للطن، مما يجعل تفسير الارتفاع على أساس قاعدة التفاعل بين العرض و الطلب وحدها غير مقنع خاصة مع تزامن توقيت القفزات والتصعيد المتنامي بين الصين وأستراليا على سبيل مثال إلغاء استراليا لاتفاقية مع الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق، وإعلانها عن إعادة النظر في اتفاقية أخرى بخصوص تأجير ميناء داروين للصين، وكذلك إعلان الأخيرة تعليق جميع الأنشطة في إطار الحوار الاقتصادي الاستراتيجي مع أستراليا إلى أجل غير مسمى.
لكن الصين رغم كونها تعتمد على الخامات المستوردة بنسبة تصل إلى أكثر من80% من بينها أكثر من 60% من أستراليا لوحدها، ولنا في بيانات 2020 خير مثال، حيث استوردت الصين حوالي 1.17 مليار طن منها 713.126 مليون طن من أستراليا، ورغم أن كل زيادة في الأسعار بواحد دولار للطن تعني زيادة فاتورة الاستيراد لديها بأكثر من مليار دولار،إلا أنها قد تكون أكثر المستفيدين من زيادة أسعار المادة الخام على الأقل على المدى الاستراتيجي الأبعد، حيث أن زيادة أسعار المادة الخام تفضي إلى زيادة أسعار الصلب العمود الفقري لجميع الصناعات المدنية والعسكرية، إذ يقال أن النفط هو الدم الذي يجري في شريان الصناعة، والحديد غذائها، والصين قاعدتها نتيجة لاستحواذها على 56% من إجمالي الإنتاج العالمي من الصلب، وهذا ما قد يمكنها من تعويض بعض خسائر فاتورة استيراد المادة الخام، و الأهم من ذلك يمكنها وبكل سهولة من المناورة من أجل رفع تكلفة فاتورة تحديث الولايات المتحدة الأمريكية لبنيتها التحتية المتداعية،حيث أعلن الرئيس الأمريكي عن مشروع طموح لتحديث البنية التحتية بتريليوني دولار، ومن المعروف أن قطاع الإسكان والبنية التحتية يستهلك حوالي 52% من الإنتاج العالمي من الصلب، وقد يكون سباق البنية التحتية الأمريكي الصيني هو السبب الحقيقي الرئيسي وراء ارتفاع أسعار خامات الحديد، والمواد الأولية الأخرى كالنحاس، و هناك أكثر من دليل على ذلك يضيق الوقت عن ذكره
وإذا كان سباق التسلح بين روسيا وأمريكا قديما سببا في إحداث التحول الصناعي لدى كثير من دول في المعسكرين الغربي والشرقي، فإن سباق البنية التحتية بين أمريكا والصين المحتدم سيخلق فرصا لا تقدر بثمن للدول التي تعتمد على الصناعات الاستخراجية، والتي على رأسها بلادنا، وعلينا اغتنام هذه الفرصة التاريخية التي تأتي في ظل تشكل عالم ما بعد كورونا، بالسعي إلى تغيير معادلة مستقبلنا مرهون بأسعار المادة الخام، والتقدم إلى الأمام نحو الصناعة التحويلية التي تخلق قيمة مضافة أكبر، وفرص عمل أكثر، وإيرادات أفضل.
د. يربان الخراشي