رحلت عن دنيانا الفانية أول أمس في تكانت المغفور لها فاطم منت أحمد للهادي الملقبة ( داته ). كانت المغفور لها واحدة من أشهر نساء الرشيد دينا وعلما وصلاحا.علمت القرآن في شبابها والأخلاق وحسن السيرة في كهولتها وفي شيخوختها. وهي فاطمُ بالترخيم بنت سيدنا ولد أحمد ولد سيد أحمد ولد محمد عينين ولد أحمد للهادي الكنتية الوافية دارا، اللمتونية التمدكية أرومة ونجارا. تربت في كنف جدها أحمد ولد أحمد للهادي قاضي حلة أولاد سيدي الوافي لأربعين سنة، وشيخ محظرته الشهيرة في ربوعهم منذ عشرينيات القرن الماضي.شبت الفقيدة في بيئة علمية عريقة تعبق بأريج القرآن والفقه والأصول وعلوم اللغة العربية والقضاء الذي مارسه جدها أحمد في تكانت طوال حياته. فكانت تدعى عند أترابها وأصدقائها في الدراسة ب"منت القاضي ".
درس الوالد حفظه الله على جدها ولزم خيمته عشرين سنة أخذ عنه فيها علوم الدين واللغة وربطته صداقة حميمة بالفقيدة من أيام الصبا.وظلت عرى تلك الصداقة تزداد وتتوطد عبر السنين. فكانت المغفور لها تمر بنا في كيفه في طريقها لزيارة أمها في منطقة أفل بالحوض الشرقي فتمكث معنا ما تمكث أمنا حنونا ومدرسة أخلاق ومروءات عز نظيرها.
وكنت والوالد كلما حللنا بالرشيد في موسم " الكيطنة " ننزل عندها في منزلها العامر ، منزل أهل محمد ولد حد ( الدد) وأهل محمد يحيى ولد أمينوه تغمد الله الجميع بواسع رحمته وأنزله فسيح جناته. وتمضي "الكيطنة" علينا كلمح البصر في أجواء حميمية فريدة بين الوالد وصديقه الشاعر والأديب محمد ولد حد و"منت القاضي " التي لا تقل عنهما فهما ودراية بفصيح اللغة وأشعار العرب.
أذكر مرة نزلنا عندهم، وكانوا يسكنون العريش لأن بالدار إصلاحات فقال الوالد:" منت القاضي" لم لا تخبروننا بإصلاحات الدار فنتأخر قليلا؟ فردت قائلة: لا والله ف " سم الخياط مع الأحباب ميدان" فاقتنصت شطر هذا البيت البديع ولم أجد شطره الثاني إلا بعد ظهور النت، وهو لشاعر اسمه إبراهيم الغزي يقول فيه : وأطيب الأرض ما للنفس فيه هوى *** سم الخياط مع الأحباب ميدان. طيب الله ذكرى تلك الأيام وأدخل أهلها فسيح الجنان .
رثاء الفقيدة:
رحلت غادة الرشيد وصارت ***** لنعيم الرضا وحسنِ المَعَاد
خلّفتْ بعدها صنائع مجدٍ **** سائرٍ ذكرُها مدى الآباد
من طريف صنيعُه بيديها *** وتليد الآباء والأجداد
ضاربٌ مجدُها، سليلةُ علمٍ وقضاءٍ وحكمةٍ وسدادِ
بِضْعةُ المجدِ والمعالي جميعا أحمدُ الهادي جدُّها خيرُ هاد
"فاطم" المكرمات لا زال يُروى *** من شذاها الزَّكِيِّ في كل ناد
"ابنة القاضي"، هكذا عرفوها يوم كانت جمالَ تلك النوادي
طُرَرُ العلم في يديها خضابٌ والخلاخيل ريْقُ ماءِ المِداد
زفَّها المجدُ للذوائب منا *** في طَهور من أنفس الأبراد
وتبارى البنون منها كراما *** في صنيع الأحساب والأمجاد
كانت الأمَّ في رحابة صدر ** وحنانٍ ولينةٍ وانقيادِ
أورثت نشأها رجاحةَ عقلٍ *ن وعُلوَّا يعلو على الأنْجاد
يوم غال المنون عنها بنيها *** وتردَّى الزمانُ ثوبَ الحداد
أسفرت عن جبين خُلْقٍ أصيلٍ *** يتحدى المُصابَ بالمرصاد
صبرتْ للإله صبرا جميلا *** في حَليلٍ، وفِلْذةٍ من فؤاد
كانت الخُلقَ والحصافةَ فينا *** كانتِ النبلَ شامخَ الأطْواد
كانت الجودَ والسخاءَ، وكانت **** لبني المُرْمِلات أعظمَ زاد
طيب الله ذكرَها وحباها **** من نعيم الجنانِ أطيبَ واد.
الأستاذ محمد ابراهيم ولد سيد ألأمين ولد احمد
كيفه