في زهو الطاووس مع فارق (الرشاقة وجمال المظهر) أطل عزيز من برجه المزركش على أريكة فارهة، كانت كل حركاته تشي بأنه حديث عهدٍ بنعمة، لم يكدح لها ولم تشثن له بنان في جمعها، فقط وبدون مقدمات طلع نجم سعده ، وفي لحظة فراغة من التاريخ ، سيطر وسَطَّر بحروفه المنحرفة عن الخط المستقيم سلوكا غير مألوف، سبُ وقدح وكبر وتجبر وسخرية، وتسخير لكل ما هو ملك للشعب من أجل اشباع بطنه الغرثى التي ألفت المسغبة زمانا على ما يبدو من نهمه، وبجشع الضبع حاول تجاوز كل من سبقوه من اثرياء البشرية ، من لدن قارون وهارون وروكفلر وحتى ولد بوعماتو، فسلك نهج ترامت في الابتزاز، والتخويف والتخوين والوقاحة والتهديد والوعيد لكل من يرفض نزقه.
عشر "سنين" كانت كافية، ليعلن دعاة الانفصال جهاراً وبدون رتوش عن مطلبهم ، آخرون دعوا في مواطن كثيرة إلى حمل السلاح لإبادة الأغلبية، في تلك العشرية أصبح الانفصاليون وحملة ألوية الحروب الأهلية، أبطالا، وقادة رأي يُستشارون ومنتخبون محصنون بقوة القانون، وبكل وقاحة يسخرون من الدولة وقوانينها.
لم يجد "العزيز" ناصحا أمينا، رغم كثرة من يتظاهرون بالوعظ ومن شغلهم الشاغل حض المظلوم على الخنوع للسلطان الظالم ، والكذب على الله بالقول إن ذلك يرضيه "طاعة السلطان"، واصل "العزيز" التجبر، فاحتقر الكبار وسلط عليهم السفهاء، لم تشفع لهم سن ولا سبق إسلام ونزل بالسلطة إلى مستنقعات آسنة، واصبح حديثها تافهاً فارغا من مضامين الجد والصدق والاحترام، وفجأة وفي عز غيه بدأت أصوات خافتة تكدر صفو عيشه من المبنى الحكومي الملاصق لمقر ملكه، لم يعد الصوت همساً، فدق مجلس الشيوخ المسمار الأول في نعشه، فاستشاط غضبا وجاب البلاد صارخا أنه الوحيد الذي لا معقب لحكمه ، سيق الشعب المظلوم ليبصم له على ما يريد "التعديلات الدستورية"، فكانت المفاجأة، فقد تزاور الجل عن التصويت ضربة ثانية في الصميم، فحرك كتيبة "برلمانيين تحت الطلب" فصدحت بوقاحة وحقارة ونذالة راسخة، مطالبة بمأمورية ثالثة مختلقة سمفونية أن الدستور ليس "قرآنا" تعالى الله وكتابه عما يقولون علواً كبيراً " فرُدتّ الكَرةَ عليهم بضربة قاضية جاءته هذه المرة في الثلث الأخير من " ليل أبي ظبي" حاملة بيانا مفرداته واثقة، وتهديداته واضحة، أن لا تعديل.
حيل عديدة استخدمت وكأن الأمر ابرم بليل، كسب الغزاوني الرهان، فأعاد "العزيز" الكَرّة مطالبا باستعادة حزبه الذي أنشأ وحدد مساره واختار رجاله، الذين خانوه وتخلوا عنه وتركوه وحيداً في اللحظة الحرجة، سُقط في يده وكاد الخروج عن حد المنطق وافصح عن العقل الذي كان يقود به القطيع، حيث لم يقتنع بأنه لم يعد يمتلك أيا من مصادر القوة والنفوذ فلا " كتيبة الانقلابات" ،ولا يحيى ولد حد أمين، ولا سيدي محمد ولد محم ، ولا ولد صهيب، ولا الخليل ولد الطيب الكل توارى.
اقتيد "العزيز" قهرا إلى مخفر الشرطة، وحل ظلام نُزلها غير المُهيأ لضيافة المترفين، فخرج من المخفر صاغرا منكسرا ، تذكر تنفيذ وعد قطعه على نفسه بأن يفضح الكل وينتصر لكرامته المهدورة، نظم مقابلة أرعد وأزبد قبلها، موهما جمهوره "إن كان له جمهور" أنها ستكون القاضية لما ستحمل من مفاجآت وحقائق ستقلب لخصومه ظهر المجن.
رويدا رويدا تقترب اللحظة التي قد لا تكون مفرحة لغالبية شعب لا يريد أكثر من استعادة أمواله المنهوبة ومعاقبة النهبة، فالعزيز لا يُقاضى أمام القضاء الأسكتلندي، بل امام قضاة "الفقه المالكي المرن"، وملف الفساد بدأ سياسيا، وقد ينتهي سياسيا بتفاهمات وتنازلات وتسويات، لن يصل الجمهور المكلوم إلى معرفة تفاصيلها فلا تذهب بكم العواطف بعيداً، فالقضاء جزء من الجهاز الإداري، الذي هو جزء تابع للجهاز التنفيذي، الذي هو لب المشكلة، وإن غدا لناظره لقريب أتمنى أن يتحقق النزر من العدالة.