مقترحات لتخليص موريتانيا من ديون صندوق النقد الدولي/ حبيب ولد محفوظ

ان رئيس صندوق النقد الدولي المستر "كامدسو" رجل محترم جداً، وله راتب جيد ومنتظم، وحالته جيدة. صحيح أنه يشخر عندما يغط في نومه، أو أنه لا يحبُ الفاصوليا، إلا أنه على كل حال رجل طيب، ويحب الخير لموريتانيا، كما يقول، ويريد لها أن تكون دولة غنية، جميلة وقوية، وطيبة جداً، وفي كلمة واحدة يريدها أن تكون دولة متقدمة، أو هذا ما يقول المستمر كامدسو (أو "كم دسو" بالعربية).
أنا من جانبي أتساءل لماذا ينزعج المستر كامدسو ويرهق نفسه من أجل إخراجنا من وضعنا المُزري الذي نعانيه، إذ إنه لاشكّ لديهِ انشغالات أكثر استعجالاً -كإصلاح عطل في حنفيته أو سياراته أو ابن مصاب بالحمى مثلاً- إلا أن انشغاله بنا وبمصلحنا يجعلنا نصدقُ بأن منظمته -صندوق النقد الدولي، أو الصندوق كما يلقبه الأصدقاء- هي منظمة خيرية بالفعل، لأن هذه المنظمة تريد بالفعل لسكان الأرض أن تكون ملابسهم نظيفة و أحذيتهم جميلة، وطبعا هذه نوايا طيبة إلا أن ما لا يعرفه صندوق النقد الدولي، هو أن الناس إذا أصبحوا جميعاً أغنياء فإنهم سوف يتسابقون نحو الفقر، عندها يتعينُ إنشاء صندوق دولي، يكون هدفه السير نحو التخلف والفقر.

قد يرد عليّ البعض أن هذا هو ما نحن بصدده الآن، وأن هذه المؤسسة هي أفضل وسيلة للفقر والتعاسة دون تعب، أما أنا فلا تعليق لدي، وإنما خطرت في بالي حكاية مؤداها أن حياً من أحياء "الزوايا" عانى كثيراً وقاسى بسبب "ضبع" كان يسطو بين الفينة والأخرى على قطعانه ويرعب الأهالي من النساء والأطفال، وذات يوم قدم رجل غريب على الحي ولم يكن من "الزوايا"، كان ضخم الجثة، مفتول العضلات، جهوري الصوت، وكانت عيناه شعلتين من النار، وكان أنفه ماسورة بندقية صيد، وعندما جاء تقدم إلى رجال الحي عارضا خدماته لتخليص الحي من "الضبع"، وطبعا قبل رجال الزوايا، كما يفعلون دائماً أول الأمر.
 شرع الرجل في ممارسة مهمته وباشر إشعال حرائق كبيرة في نواحي الحي، مستخدماً أشجاراً ذات روائح كريهة وأمر الأطفال والنساء بالصياح والولولة والجري في كل الاتجاهات، ومضى اسبوع كامل على هذه الحالة، الأدخنة الكريهة، الرائحة تنبعث من الحرائق والأهالي يصيحون ويعدون في كل اتجاه، والأبقار تتناقص، و"الضبع" يزداد سمناً وجرأةً على خيام الحي، والرجل الغريب استقر به المقام وطاب، وأصبح يأكل أكثر من اللائق، ويضحك بصوت أعلى من اللائق، وأصبح له هم غير هم الضبع، وله ألف نزوة ونزوة، وعند ذاك اجتمع رجال حي "الزوايا" تحت الشجرة التي اتخذوها مسجداً، وأصدروا قرارهم بالإجماع: أن يذهبوا إلى "الضبع" ليخلصهم من الرجل الغريب! 
وبعد، أليس بإمكاننا نحن الموريتانيين أن نوقع اتفاقا مع التخلف ليخلصنا من صندوق النقد الدولي؟

ودائماً بخصوص صندوق النقد الدولي، أسوق هنا أسوأ خبر سمعته في حياتي، وهو أننا وبشرط أن يكون كل شيء على ما يرام وأن لا تكون هناك مشكلة، وأن نقوم بالجهود اللازمة فسيكون بوسع موريتانيا في النهاية الانضمام في سنة 2001 إلى الدول الفقيرة والأكثر مديونية. حالة نحسدُ عليها -في ما يبدو- حالة دول متعارف على أنها فقيرة ومدينة جداً، موسومة وموصومة بأنها جائعة تماماً وحافية تماماً وعارية تماماً، وأنه لا يمكنُ تخليصها أبداً، تلك هي الحالة التي نطمح إليها ونكافح بمرارة من أجل الانضمام إلى نادي دولها، أما الآن فلم يحن الوقت بعد، فعلينا أن نصبر قليلاً، أن نفتقر وأن نستدين أكثر إذا استطعنا، وعندها يمكن أن نلتحف مرفوعي الرؤوس بالدول التي تعيش في "كبة" العالم، وننتظر معها منحة أو صدقة أو فتاتا نعيش عليه. 
لن يذهب أطفالنا إلى المدارس ففي "كبات" العالم لا توجد مدارس. ولن نأكل إلا مرة واحدة في اليوم، وسوف نموت إما ظمأً في الفصل الجاف أو غرقاً بأول قطرة مطر، هكذا سيكون ولوجنا للألفية الثالثة.
وسؤالي الحالي هو: هل نحن أكثر فقراً ومديونية من أن ندخل نادي الدول الفقيرة والأكثر مديونية أم أننا لسنا فقراء ومدينين بما فيه الكفاية حتى ننضم إلى هذا النادي؟
إلا أن ما أعرفه هو أننا بديوننا البالغة 2،5 مليار دولار أمريكي نكون أكثر دول العالم مديونية حسب عدد السكان (حوالي 1200 دولار للفرد، أي 280 ألف أوقية على ظهر كل منا، أو مليون و500 على رقبة كل أسرة). 

 

كيف نتخلص من هذه المديونية؟

 

ذلك هو السؤال الأهم وله أجوبة عديدة. إلا أن أيا منها لا يفرض تسديد هذه المديونية، لسبب بسيط هو أنه لو كان لدينا ما نسدد به لما كنا مدينين إلى هذا الحد. احتمال آخر هو أن نسدد بالرمال، فنبيعها بسعر رخيص 0.0001 دولار للطن دون النقل.
حل آخر أيضاً، نغادر البلد فنحن لسنا سوى مليونين ونيف، نتسلل بهدوء بعد منتصف الليل والخامسة صباحاً، وعند طلوع الشمس لن يكون هناك أحد، كل الموريتانيين ذهبوا في عملية يدبرها ويشرف عليها الجيش واتحادية النقل، انتهى الأمر ولم يعد هناك شيء ينبغي تسديده.
بإمكان البنك الدولي وصندوق النقد أن يصادرا بعض الأثاث والحشايا والحصائر البلاستيكية والمقاعد والأرائك القديمة، أي حوالي 1000 دولار عند البيع بالمزاد، وكذلك شياه غنم بإمكان مدير صندوق النقد أن يربطها أمام منزله ليحلبها من حين لآخر أو يرسلها إلى روسيا أو إندونيسيا.
أما نحن فسنكون قد ذهبنا، لا يهم إلى أين المهم أن نبقى مجتمعين، وعندما يأتي أحد هؤلاء المسؤولين الحمقى يطالبنا بنقوده فسيقول له معاوية "أي نقود؟ لا أعرفك ولا يعرفك أحد هنا.. واصل طريقك، إذا لم تكن تبحث عن المشاكل". أعرف أنه سيكون بيننا شخص من أهل المعارضة ينادي على الممول "غير صحيح.. إنه هو، أمسك به حتى يرد لك نقودك" لكن الممول المسكين إنما دفع نقوده لموريتانيا، وموريتانيا بقيت هناك، ولم يبق فيها إنسان، وسيكون درساً للممولين يعلمهم كيفية التعامل مع الأشياء المجردة. 

وفي نفس الإطار يمكننا دون أن نتسلل، أن نرفض التسديد لأي أحد، للأسباب التالية:
-ليس عندنا ولن نجد أبداً ما نسدد به.
- لم تعطونا المال حتى يمكننا أن نسدد لكم، أما الآن فأمسكوا نقودكم وامسحوا الدين.
- اذهبوا للجحيم
- إذا كنتم أصدقاء وتريدون لنا الخير، الغوا هذه 2،5 مليار دولار، وإذا كنتم أعداءنا وتريدون تدميرنا فلن نساعدكم على ذلك
- هذه نهاية الألفية الثانية، ونريد هدية الألفية الثانية (أم أننا مسلمون، وأنتم لا تمنحونَ الهدايا للمسلمين، أليس كذلك؟
- دعونا وشأننا أيها الثقلاء
- كيف 2،5 مليار دولار!! هل عندكم أدلة؟ (ليست عندهم أدلة) لا يمكن.. أن المبلغ ليس إلا 2،5 مليون.. ومن قال إنها من الدولار؟ هناك خطأ بدون شك، وحتى الفاصلة يكتبونها نقطة في الإنكليزية، هناك خطأ انظروا جيداً.
- "كمندوز" في المطار: نقوم بدعوة جميع الممولين ليتم إطلاق النار عليهم بواسطة "كلاشينكوف" من نوع AK47 من النوع المستعمل من الطلقات الجماعية. ثم يقال بأنها "مذبحة" قامت بها أيد أجنبية وأعداء للبلد، وأنها مؤامرة دبرتها جهات مجهولة من اسرائيل وجنوب افريقيا (بمساعدة اللوبي الصهيوني الماسوني - اليهودي.
على كل حال سيكون تصرفا لا معنى له، ولن يصدقه أحد إلا أننا نكون قد تخصلنا من كافة دائنينا ولن يأتينا أي شخص بعد ذلك يطالب بالدين. 
-طريقة أخرى تختلف قليلاً عن سابقاتها، إلا أن العملية تكون عند الانطلاق، مباشرة بعد الإقلاع، وسنقول طبعا إنها مؤامرة مدبرة من الخارج، وإننا سددنا كل الديون المستحقة علينا لذلك السيد: ذي الشارب الصغير، نسينا اسمه، كانت عنده ربطة عنق زرقاء في شكل فراشة صفراء أو خضراء، نعم نعم، لقد دفعنا له المبلغ كاملاً 2،5 مليار، لقد مات المسكين.
والنقود؟ لقد أخذها الجناة دون شك.. أيْوَه.. لقد قلنا له أن لا يحمل النقود، إلا أن الناس لا يستمعون للنصائح، وا أسفاه، لكن ما العمل؟ ليس عندنا الآن سوى وصل استلام النقود، ها هو.. وهذا توقيعه، نعم إنه توقيعه، واسمه "جان" أو "بول" عليه اللعنة، نسيناه، لا ندري، المهم أن هذا هو توقيعه، بحق أمي قلت لك، عليكم الآن أن تعطونا المال ليعوضنا عن الخسائر المعنوية والمادية التي سببت لنا المذبحة التي تعرضت لها بعثتكم البلدة.
- كما قلتم.. مليارين ونصف المليار من الدولار.. يا سيدي الفاضل انظر حولك، كل ما تراه لا يساوي عشرة ملايين دولار.. وأين يمكننا أن نجعل هذه المبالغ التي تقول؟ 
اذهب للخارج وتحقق من الحسابات، واجمع كل رواتب الوظيفة العمومية منذ الاستقلال حتى الآن، اجرِ تقييما لكافة المشاريع فسوف تحصل على 100 مليون دولار، إنك تمزح بدون شك يا سيدي.. إن ملياراتك التي تتحدث عنها قد تكون من (عملية) الزائيــر أو الفرنك الرواندي لكنها ليست أبداً من الدولار.

كل تلك الحجج الحجج المذكورة أعلاه واهية، لكننا هناك نحصل على الكثير دائماً بالحجج الواهية. 

 

المصدر: حبيب ولد محفوظ، موريتانيد، القلم العدد 216، بتاريخ 27 ابريل 2002، ترجمة عبد الرحمن ولد عبد الله.

سبت, 06/02/2021 - 07:00