تجمع الدساتير والمواثيق الدولية والقوانين الوطنية على إقرار البراءة كأصل يتمتع به الكل إلى أن تقرر، في ظل استيفاء شروط المحاكمة العادلة واستنفاذ مراحل التقاضي، جهة قضائية خلاف ذلك.
وأصل البراءة يعد قاعدة من القواعد التي تحكم الخصومة الجنائية؛ إذ الإجراءات الجنائية هي قانون الشرفاء. والمتعارض مع القانون خلال مسارالخصومة يمنع وصفه بأي وصف من أوصاف الإدانة ... .
وفى نفس الوقت يعد أصل البراءة كذلك قاعدة من قواعد الإثبات الجنائي ؛ فلا يمكن مطالبة الشخص محل الاتهام بإقامة الدليل على نفسه. ولا إدانته إلاعلى أساس يقين كامل باقتراف الفعل المجرم، وعلى ذلك فمجرد الشك يضعضع ذلك اليقين ويرتب من ثم العودة للأصل والحكم بالبراءة.
ذلك ما يلزم أن يطبع عمل الجهات القضائية جهة الفصل في الإدانة من عدمها.
بالمقابل يعكس سلوك الأفراد في الغالب عدم ميلهم للإيمان بافتراض البراءة، فهم يبادرون إلى تحويل مجرد الاشتباه إلى إدانة. وسؤالهم عادة حال وقوع بعضهم في تعارض مع القانون يكون عن (ماذا فعلوا؟) وليس (ماذا يأخذون عليهم؟)
إن ميلهم ذلك بالغ الأثر؛ فلأنهم ينطلقون من يقين الإدانة سيعدون تصرفات مهما كانت معتادة وطبيعة وكأنها ذات علاقة بالوقائع المؤسسة للاشتباه أو التهمة. بخلاف ما لو أنهم نظروا من واقع أصل البراءة، فإنهم سيرون الكل برءاء "لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا " وهو الأمر المتسق مع حالة الفطرة فالإنسان ولد مبرأ من الخطيئة، ووحده الحكم القضائي النهائي الجازم يمكن أن يحمل الإدانة بالجرم؛ وحده، وليس الخصوم ولا الرأي العام، بل ولا حتى قضاء الادعاء، بل وأبعد من ذلك كل درجات التقاضي ما قبل حيازة الحكم قوة الشيء المقضي به.
أثر ميل الأفراد على ذلك النحو يجهز في النهاية على حق الناس في التمتع بقرينة البراءة إن لم يكن بالتأثير في العدالة ، فبالإساءة لكل من يقع في تعارض مع القانون بفعله أو برغبة غيره في توريطه أو حتى بمجرد حظه العاثر الذي جعله في الموقع الخطأ في الوقت الخطأ، وكلها حالات يمكن لأي كان أن يكون عرضة لها.