حرب التسريبات، بين من و من ؟

من الأمور المستجدة في " أدبيات السياسة" الموريتانية تدني لغة التخاطب بين اللاعبين في المشهد السياسي. لقد مر القاموس  السياسي بعدة تطورات، لم تخل مرة من عنف لفظي و تجريح.  فصراع أنصار ولد حرمه و ولد يحيا انجاي ، في ظل الاستعمار الفرنسي، تبادلوا العبارات القدحية و تهاجوا بالمنظوم الشعبي. و الشباب الكادحين و أنصار نظام ولد داداه  شتم بعضهم بعضا و قدح بعضهم في بعض.كما تنابز أنصار الحركات السياسية فيما بينهم بسيء الألقاب ، و تناعتوا بقبيح الوصف. غير أن هذا القاموس السياسي لم ينزل، إلا نادرا، إلى التشهير بالأشخاص ، و لا إلى المس في أعراضهم. لقد ظلت "مخرجاته الدلالية" في مستوى الإنعاش الجماهيري و السخرية من الأساليب لدى الخصم، و تسفيه الأحلام، و تثبيط الآمال. و مما ميز ترفع القاموس السياسي قديما أن الزعماء السياسيين  لم يهبطوا للتعاطي بسيء الألفاظ و دنيء العبارة. فالرئيس السابق هيدالة عرف بالديكتاتورية و البطش دون رحمة بمعارضيه، لكن لم يرو عنه قول سيء. و الرئيس معاوية مستبد منغلق ، حارب معارضته بالتنكيل و السجن  و التهميش و الحرمان و و التجويع، و ذهب في غيه حتى  كان يعاقب الأخ لمعارضة أخيه ، و الأب لمعارضة ولده... !! 

غير أن معاوية لم ينقل عنه كلام جارح لمعارضيه.. 

و في ما بعد معاوية، هبط مستوى القاموس السياسي حتى رأينا رئيس الدولة يستهزئ علانية من رموز معارضة وطنية ديمقراطية سلمية يجوبون الشوارع  ؛ فيستسخر من شيخوخة قياداتها و ضعف أجسام رموزها بسبب تقدمهم في السن. و رأينا " زعيما حقوقيا"  لا ينطق بغير سيء الألفاظ و منكر القول .

 لم يكن ذلك مألوفا، و لم يكن من أخلاق حكام أهل هذه الأرض، و لا  من عادات سكانها. في الفترات الأخيرة، نزل الخطاب السياسي و الاجتماعي إلى أحط مستوى ؛ و أصبح كل ما يدور من حديث هو  بذاءات و شتائم و سباب. تقوقع السياسيون و المثقفون  غير التافهين على أنفسهم، و خلت الساحة السياسية لمن هب و دب من الأشرار و فاقدي التربية و التوجيه في تنشئتهم الأسرية و  بئاتهم الاجتماعية. و منذ اندلاع التجاذبات بين الرئيس السابق ( عزيز ) و بين خلفه على خلفية ما سمي، في وقته، بالمرجعية و بمآل ملكية حزب الاتحاد، ظهرت موجة جديدة من العهر السياسي تجلت في التنصت على مكالمات السياسيين خصوصا و الفاعلين و المهتمين بالشأن عموما. و أصبح هذا التنصت ممنهجا كحرب ابتزاز و ضغط بحيث يسرب  بعض المقاطع الصوتية دون سياقها لشخصيات تتداول في شأن عام، أو تتبادل أطراف حديث ودي في مواضيع اجتماعية، أو في مشاحنات أسرية، أو غراميات أثيرية... و غير ذلك من التجسس على حرمات الناس، التي ما كان ينبغي أن تشيع كفاحشة بين المؤمنين بحرمة هتك أعراض الناس و فشو أسراهم التي سترهم الله فيها بستره الجميل. فليس هذا من الصراع السياسي النظيف، و ليس هو من الدين، و لا هو من القيم المشتركة بين بني آدم. و لهذا، فإن مثل هذه التسريبات المسروقة  محرمة في شرعة كل المجتمعات في العالم . و اللافت أن هذه التسريبات الصوتية تجري بين جهات و شخصيات كانت إلى وقت قريب شلل و أصدقاء يتآمرون على غيرهم. فمن يسرب على من ? و لما ذا في هذا النظام فقط انتعشت هذه الحرب ? و كيف لا يعمل النظام لإيقافها و معاقبة من يقومون بها. و هل صحيح أن التسريبات من كيديات خلايا النظام السابق و أنصاره..  و كيف يستسلم هذا النظام دون مقاومة ? و كيف يريد، عقلا و منطقا،  بناء نظام جديد برجال نظام ماض  يتهم رأسهم بالفساد و النهم، و " يستعد " لتقديمه و تقديمهم للعدالة !

ثمة شيء غريب يجري.. و أقبح الندم الحسرة على التفريط…

 

مجلة الدرب

اثنين, 01/02/2021 - 09:52