مثلت السنة المنتهية 2020 تحديا كونيا، واستعصاء حقيقيا لم تشهده البشرية منذ فترات بعيدة، وذلك بفعل جائحة كورونا التي عمت العالم وزادت إصاباتها نهاية السنة على ثمانين مليون حالة وقاربت الوفيات المرتبطة عتبة المليونين وفضلا عن الخسائر الصحية، فقد عاش العالم لأشهر عدة على الإغلاق التام وشل الحركة والملاحة ووأدى إلى حظر التجول واختفاء معظم أنشطة الحياة وهو ما أدى إلى نتائج توصف بالصعبة والقاسية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وبالتالي استحوذت قضية كورونا على النسبة الساحقة من تدخل الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية وكذا الإنتاج الصحفي بشتى وسائله.
تكبيرا للمقياس واقترابا من الأرض، لم تكن بلادنا بمنأى من هذه الإكراهات وتلك التداعيات لكن بفضل الله تعالى أولا ثم بحكمة رئيس الجمهورية وبحكم الإجراءات الاحترازية التي وضعتها الحكومة تجاوزنا الموسم الأول من السنة في مأمن من هذه الجائحة ولقد كان خطاب رئيس الجمهورية الذي وجهه إلى الأمة يوم 25 مارس 2020 مساهمة فائقة في سبل الوقاية من انتشار الفيروس من جهة وعملا قيما في التخفيف على المواطنين من انعكاسات الإجراءات الوقائية الجديدة التي اتخذتها الدولة في مواجهة تفشي كورونا من جهة ثانية وعبر فخامته عن الخطر المحدق وحجم الكارثة التي يعيشها العالم حولنا وكون الملاذ الوحيد هو التقيد بالاجراءات كما طالب الجميع بتضافر الجهود في إطار من الوحدة الوطنية والتضامن الاجتماعي لمواجهة تفشي الجائحة.
كما أعلن فخامته عن حزمة من التدخلات الاجتماعية الهامة مثل إنشاء صندوق كورونا والتحويلات المالية والإعانات لأكثر من 30 ألف أسرة فقيرة.
وانطلاق أنشطة وكالة تآزر التي كان من آخرها التأمين الصحي لأكثر من
100 ألف أسرة، وكذا تحمل الدولة أعباء مصاريف المياه والكهرباء لأشهر في الوسط الريفي والهش ونظرا الارتباك الدولي المحتمل في حركة التجارة والتسويق بصفة عامة فقد أعطى فخامته الأوامر للقطاعات الحكومية المعنية باتخاذ كافة التدابير اللازمة لاستمرارية التموين خاصة من المواد الغذائية والطبية والمحروقات.
وهكذا وبفضل هذه الاستراتيجية المحكمة خرجت بلادنا لله الحمد من الموجة الأولى لكورونا وعلى غرار القليل من بلدان العالم خرجنا بأقل خسائر في الأرواح والإصابات.
وبعد دخول البلاد لمرحلة تزايد الإصابات والحالات المجتمعية بدء من منتصف ابريل 2020 فقد عززت الدولة من إجراءاتها الاحترازية وتوسعت المنظومة الصحية وتم اقتناء كل المستلزمات والوسائل المناسبة للمرحلة ومستجداتها المتوقعة وفي هذا السياق جاء في خطاب رئيس الجمهورية الموجه إلى الأمة بمناسبة عيد الفطر المبارك الموافق
25 مايو 2020 الحديث عن خطورة المرحلة ونداء المواطنين بضرورة التقيد بالاجراءات وقد تضمن الخطاب الاستراتيجية الجديدة والمرحلية لمكافحة هذا الوباء وسبل التعايش معه لفترة وذلك على النحو التالي:
- دوام الإسراع في اتخاذ التدابير الاستشفائية اللازمة
- العمل على تأمين حاجات السوق المحلي من المحروقات والمواد الطبية والغذائية
- العمل باستمرار على تخفيف الانعكاسات الاقتصادية السلبية للجائحة على المواطن
- التحضير الجيد لما بعد الجائحة
وموازاة مع كل ذلك.
وبالرغم من الظروف الاستثنائية فقد ظلت الحكومة تنفذ البرامج والمشاريع الأخرى بوتيرة متسارعة والهادفة إلى مكافحة أشكال الغبن والهشاشة وامتصاص البطالة وولوج الجميع إلى الخدمات الأساسية وكذا دعم المنظومة الصحية والتعليمية وإطلاق برنامجي خدماتي وأولوياتي حيث يعتبر الأخير أكبر مشروع في تاريخ البلاد وهو يتضمن عدة شعب منها الطرق والبنى التحتية الصحة، التعليم، البيئة، وذلك فضلا عما عرفته البلاد من ترسيخ الوحدة الوطنية وتهدئة الحياة السياسية وبناء دولة القانون والحريات وانتهاج الحكامة الرشيدة.
وقد أشفع ذلك بإطلاق البرنامج الإقتصادي المتكامل الذي أعلن عنه فخامة رئيس الجمهورية في خطابه 02-09-2020 وهو برنامج متعدد القطاعات يربو غلافه المالي على 240 مليار أوقية قديمة وبتمويل ذاتي سيجري تنفيذه على فترة ثلاثين شهرا ، ويشمل عدة محاور منها:
- تعزيز البنى التحتية الداعمة للنمو
- تعزيز قدرات القطاعات الاجتماعية ودعم الطلب
- ترقية ودعم القطاعات الإنتاجية لتحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي
- دعم القطاع الخاص المصنف وغير المصنف
- مكافحة التصحر والجفاف
- دعم فرص التشغيل.
وفي خطابه بمناسبة الاستقلال الوطني أوضح فخامته أن للاستقلال معان منها السياسي والاقتصادي لكن كل ذلك بشرط مبدئي هو توطيد الوحدة الوطنية بالعمل على تكاتف جهود أبناء الوطن خدمة لازدهاره في ظل شعور قوي بالمساواة وبوحدة الهوية والمصير، ترعاه الدولة بالعدل والإنصاف والتنمية الشاملة وتلببة للمطالب الملحة لفئة كبيرة من عمال القطاع العمومي، وإنصافا للفئات الأقل حظا فقد تقررت زيادة لرواتب ومخصصات العاملين في بعض القطاعات الخدمية كالصحة والتعليم من جهة، وكذا مضاعفة المعاشات للمتقاعدين، وتخصيص دعم مالي لبعض الحاجيات الخاصة ومرضى الفشل الكلوي من جهة ثانية.
ومن هنا نستنتج أن سنة 2020 ورغم ما ميزها من إكراهات وظروف استثنائية بسبب جائحة كورونا وتداعياتها كما أوردنا سابقا، فإنه وبتعليمات وتوجيهات من فخامة رئيس الجمهورية حققت الحكومة نجاحات كبيرة ونفذت باقة من المشاريع والبرامج التنموية والاجتماعية على كافة الأصعدة كما أحرزت نجاحا وامتيازا دبلوماسيا على المستويين الإقليمي والدولي.
وبعد طي تلك السنة وإنتهاء أيامها ،وبزوغ فجر سنة 2021 سوف تتواصل عملية البناء والنمو وإرساء دعائم دولة القانون والحريات وذلك طبقاً للبرنامج الانتخابي الطموح" تعهداتي" والبرامج التدخلية الواعدة " أولوياتي، الإقلاع الاقتصادي، وخدماتي"، وهي كلها مخططات وتنفيذات سريعة تستحقها موريتانيا ويمكن لرئيس سمته الحكمة والوفاء أن يقوم بها بكل إيمان وثقة بالوطن.