كم نستمتع بترديدها دوما < نحن دولة غنية وشعبنا شعب فقير > عبارة تحمل شحنة استغراب واستفهام واستنكار عبارة نرددها على جلسات السمر في المقاهي وفي جلسات الشاي الشعبية نرددها دون تحقيق كنوع من التنفيس أو محاولة لتبرير الفشل فإذا سألت شابا لماذا لا تعمل سيلقي اللوم على الدولة والنظام ورجال الأعمال والأجانب والقبيلة والبيروقراطية. ثميستنكف جانبا ليستكمل كأس الشاي المصنوعة في الصين ويردف قائلا نحن دولة غنية وشعب فقير.
فهل موريتانيا فعلا دولة غنية ؟
ولماذا شعبنا شعب فقير ؟
لسنا بصدد تحليل اقتصادي بحت لكننا سنعطي بعض المعلومات وإن كنا لن نسهب في الموضوع كثيرا .
هناك مؤشرين اقتصاديين اختلف فقهاء الاقتصاد في أيهما الأنسب في تعريف غنى الدول من عدمه وهما الناتج المحلي الإجمالي والناتج المحليللفرد ( مستوى دخل الفرد ) فإذا أخذنا بالأول ستنجد أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أغنى دولة في العالم أما إذا أخذنا بالمؤشر الثاني فستكون قطر هي أغنى دول العالم .
وسواء أي المؤشرين أنسب فلن يكون في مصلحتنا اعتماده فجميعهم يعطون مؤشرات سلبية قد لا تخدم أصحاب العبارة الشهيرة إلا أن مؤشر الناتج المحلي الإجمالي هو أفضل المؤشرين و يتم الحصول عليه بجمع الإنفاق الاستهلاكي إلى مجموع النفقات الحكومية إلى استثمارات القطاع الخاص إلى صافي الصادرات .
ويشكل الإنفاق الاستهلاكي ثلثي قيمة الناتج المحلي وهو مجموع إنفاق المواطنين على السلع والخدمات الاستهلاكية فبالإضافة إلى أن مجموع الإنفاق الحكومي معتبر في قياس الناتج المحلي إلا أنه يبقى أقل بأكثر منالثلث من الإنفاق الاستهلاكي وهو مؤشر يوحي بأن نشاط المواطن الفرد حتى يوفر لنفسه دخلا يتيح له الحصول على السلع والخدمات يعتبر عاملا مهما في المساهمة في غنى الدولة من فقرها .
وتم تصنيف بلادنا لسنة 2017 حسب الناتج المحلي الإجمال في تصنيف البنك الدولي في الرتبة 148 عالميا في تصنيف شمل 188 دولة وفي المرتبة 158 في تصنيف الأمم المتحدة لنفس السنة في دراسة شملت 211 دولة وفي سنة 2018 تم تصنيف بلادنا في المرتبة 153 في تصنيف صندوق النقد الدولي من بين 190 دولة .
وهي مؤشرات لا تبعث على الاطمئنان ولا تدعم فكرة أننا دولة غنية ولعل قائلا يقول بتوفر الموارد الطبيعية من معادن كالذهب والحديد والقصدير و اليورانيوم ومن ثروات كالنفط والثروة السمكية والثروة الحيوانية. والحقيقة أن بلد غنية بالموارد الطبيعية لكنها موارد عديمة القيمة المضافة نظرا لغياب الصناعات الإستخراجية فهي موارد خام ولا تساهم في الاقتصاد بالشكل المطلوب .
ولا شك أن لسياسات الاقتصاد الكلي التي تديرها الحكومة تأثيرها على الوضعية الاقتصادية للبلد ومن شأنها خلق بيئة تساعد المواطن على التحسين من وضعه مما يساهم في رفع دخل الفرد وبالتالي تحسن الإنفاق الاستهلاكي مما يعود على الناتج القومي الإجمالي ككل إلا أن هذا التأثير لا يساهم إلا بنسبة الثلث كما أسلفنا ويبقى على المواطن نفسه الرفع من إنتاجيته وهو ما يجعلنا نمهد للإجابة على السؤال .
لماذا شعبنا شعب فقير؟ والجواب نحن مجتمع كسول لا يعمل
فهناك تناسب طردي بين نسبة الفقر ونسبة البطالة تلك النسبة التي تعكس الواقع المرير والذي هو نتاج وضعية مزرية خلفتها النفايات الثقافية المتراكمة منذ عهود مضت ثقافة تصنف العمل إلى رفيع مرتبط بالمحكيات والروايات ووضيع مرتبط بالحرف والمهن والصناعات فتشكلت ثقافة ابن الأسرة الكبيرة والذي لا تسمح له ظروفه البائسة بالعمل في ميادين معينة فالكل يريد الثراء السريع بالطرق السريعة .
وعلى سبيل المثال لا الحصر تملك موريتانيا شاطئا بحريا على المحيط الأطلسي بطول سبعمائة وخمسون كلم مربع لكن أغلب شبابنا العاطلين وهم ينتشون بكوننا دولة غنية وشعب فقير يأنفون المشاركة في استخراج تلك الثروات فإن سألت أحدهم لماذا لا تكون صيادا سيكون جوابه أنها منقصة فمن تريدونه أن يستخرج السمك إذا. وقديما قيل أن السماء لا تمطر ذهبا فكيف تنتظرون أن يمطركم البحر سمكا.
إن أكثر الأمور التي تميزنا كدولة متخلفة هي طبيعة تركبتنا الاجتماعية والثقافية والتي تنبذ العمل الكادح وتشجع على الأنفة السلبية وهي ثقافة مجتمعية عدوة للنمو الاقتصادي إن لم تكن عدوة للحياة ففي حين أن اليد المجلة خير من الوجنة الخجلة تجد من شبابنا من يأنف عن ممارسة الحرف والمهن الأولية والتي توفر لهم سبل العيش الكريم وتحول بينهم مع الفقر في بلدهم بيد أنهم لا يجدون غضاضة في مزاولة نفس المهن في دولة إفريقية نائية عن منكبهم البرزخي.
أعطني قطاعا خاصا قويا وشعبا نشطا أعطك دولة غنية ومزدهرة. فإذا أردنا الخروج من وضعية مثيرة للشفقة كتلك علينا أولا محاولة تدوير لأولويات المجتمع وتغيير في الموروث التافه والذي يحتقر العمل والكد ويمجد الخرافة مما زاد نسبة البطالة وجعلنا في ذيل الأمم ولن أقول بأننا شعب لا يستحي على رأي الشاعر العراقي ولكننا شعب يبدع في إلقاء اللوم وفي اختلاق الحجج ونستمتع بالكسل فتفسيراتنا جاهزة لتبرير العجز والخمول والانهزامية .