حين وجد حكام موريتانيا العسكريون بقيادة «العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع؛ رئيس اللجنة العسكرية للخلاص الوطني رئيس الدولة» أنفسهم مضطرين، لا مختارين، لانتهاج نظام ديمقراطي تعددي، يلبي توصيات (إملاءات) قمة لا بول الفرنسية - الإفريقية مطلع تسعينيات القرن المنصىرم؛ اختاروا تجنب مطبات «المؤتمرات الوطنية» وخيار «السلطة الانتقالية» واعتمدوا، عوضا عن كل ذلك، أسلوب المواءمة والتأقلم والانتقال الذاتي السلس من نظام عسكري أحادي استثنائي إلى نظام «مُدَمَقرَط» منزوع الشحنة العسكرية، يضمن لهم الاستمرارية مع مجاراة موجة «التغيير» التي أفرزها انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين.. فكان أن تبنوا نهج «التغيير في ظل الاستقرار».
وبما أن المعطيات الجديدة التي فرضها اختلال ميزان القوة بين المعسكر الليبرالي الغربي، وبين المعسكر الاشتراكي الشرقي؛ تستوجب استحداث إطار مدني مؤسسي (حزب سياسي) يستجيب لإكراهات النهج الجديد الذي أرساه دستور 20 يوليو 1991، فقد اكتفى قادة CMSN بتحويل منظومة «هياكل تهذيب الجماهير» التي أرساها حاكم البلاد العسكري السابق؛ المقدم محمد خونا ولد هيدالة؛ سنة 1982، على بقايا أنقاض حزب الشعب الموريتاني PPM (الحزب الأوحد) الذي تم حله فجر العاشر من يوليو 1978 بمجرد الإطاحة بزعيمه المؤسس، الرئيس الراحل المختار ولد داداه؛ لحزب سياسي (حاكم) أسموه الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي PRDS، الذي انهار ليتحول، بعد الإطاحة برئيسه المؤسس (ولد الطايع) من قوة سياسية مهيمنة إلى تشكيلة ثانوية لا تمثيل لها محليا ولا برلمانيا..
أعاد فلول حزب ولد الطايع «هيكلة» PRDS من جديد لمواكبة مرحلة ما بعد الانتقال الديمقراطي 2005 - 2007، فغيروا يافطتهم إلى «حزب عادل» مشكلين بذلك حزب «هياكل» حاكم جديد يدعم «برنامج السيد الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله»؛ ثم أعادوا «الهيكلة» مجددا ليتأقلموا مع الوضع الناجم عن «حركة التصحيح الميمونة» (انقلاب 6 غشت 2008 بقيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز، رئيس المجلس الأعلى للدولة رئيس الدولة) فحملوا بقايا «هياكلهم» من «عادل» وأسسوا بها حزب الحاكم الجديد، الذي أسموه «الاتحاد من أجل الجمهورية) UPR.
نفس «الهياكل» تتصدع اليوم ضمن ما يمكن وصفه بمؤشرات حلقة جديدة ضمن مسلسل إعادة «الهيكلة» لمواكبة مرحلة الرئيس محمد ولد الشيخ العزواني؛ وإن كان المخاض عسيرا هذه المرة، نظرا لكون الزعيم المؤسس لهذه النسخة من «الحزب الحاكم»؛ الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، غادر السلطة من باب غير الذي خرج منه من سبقوه.