حول الاعتراف بقتل الانقلابيين لولد انجيان

اعتراف أحد المشاركين (في انقلاب الثامن يونيو 2003) أن مقتل العقيد محمد الامين ول اندجيان رحمه الله تعالى، حصل بسلاح دبابة لدى الانقلابيين، رغم كونه شبه تحصيل حاصل، ليس اعترافا في الوقت الضائع (الحقيقة والحق لا يقيدهما ظرف مهما بلغت درجة الألم)، وفوق ذلك هو تعرية لمصداقية الرواية التي نسجت بالقول إن النظام هو الذي استهدف العقيد توجسا من ميله للانقلابيين. بذلك المعنى، حصل جرم مضاعف: قتل وترك قوس بخيانة في حق ضابط مهني، قضى على رأس عمله! هذه النقطة تستوقف اي منصف حر، بغض النظر عن كامل معارضتنا لنظام معاوية برمته.
تبرير الحادثة بأن ظرف الانقلاب ظرف مواجهة مباشرة، رغم كون ذلك بديهيا في مجرى الانقلابات، لا يستقيم تماما، لأن الإقرار بوقوع العقيد قتيلا بسلاحهم، ذلك الاعتراف لم يحصل من الضباط مباشرة للأسف، و خيض فيه ب"امديغ اكَشور" وقح جدا، لا يناسب عدمة الفعل، بل سرى ترويج سردية أن القتل حصل من طرف النظام، وتلك أبشع لأنها تتضمن التستر على مصدر الفعل والتخوين في الوقت نفسه. حتى  يوم امس لا زلت اجد هنا من الفسابكة من يصدق تلك الترهات في الذكرى ال22!!!

العقيد رحمه الله، وفق أدق الروايات، تصرف في إطار منصبه بكامل المهنية (الإنصاف بتقبل تلك المهنية، لا يتنافى لدينا معشر الجمهور المعارض مع معارضة النظام الفساد ذاك، فالكلام على من هو في وضعه حينها ومن زاويته)، ولم يتهرب من المسؤولية وداوم من مكتبه مبكرا وأمّن أغلب ما يمكن تأمينه بحكم موقعه وسلطته على الوحدات والثكنات، ورفض الإذعان للتمرد، وهذا حقه وتقديره المهني الشخصي المباشر، ثم حصلت الضربة من الدبابة المتمركزة أصلا في موقعها لا يحجب المبنى عنها حاحب (طبعا، مُررت سردية ضمن السردية أنها ضربة تحذيرية كان مرتبا لها وأنها أخطأت التصويب، وهذا ولو كان عين الحق جدلا، هو عذر أقبح من ذنب، لأنه اعتراف بنقص خبرة في العناصر وباستسهال لموقف حاسم خلال التفاعل الذي حصل بعد وصول قائد الانقلاب هناك، وبنقص التنسيق). 
نقطة هنا بين قوسين: أن بعض الضباط قال في مضامين المحاكمة إن الضربة حصلت بسلاح آر بي جي وأنه لم يكن بحوزتهم اصلا محيلا إلى أن كتيبة القيادة والخدمات او الحرس الرئسي هما مظنة من فعل الفعلة (الرئيس السابق عزيز أشار بما يكفي فهما أن القذيفة من دبابة ومن عيار ثقيل - وليس الآر بي جي كقذائف ال 100 ملم فنيا)!
ذلك التلاعب بالتفاصيل، أخل كثيرا وسيخل مستقبلا بمصداقية المشاركين في المحاولة حتى وهم مندمجون اليوم دون أي إشكال، بل أبطال ورموز مرحلة!
بعد أزبد من عقدين، ورغم كل الوجاهة في إسقاط ول الطايع ونظامه الفاسد، ذلك الانقلاب، كان مغامرة أفراد سيئة الحسابات، لن يفي في تسويغ ارتجالها ولا تبرير ما نجم عنها، مجرد فساد نظام ول الطايع او حماس اولئك الضباط لتخليص البلاد. فالغاية لا تبرر الوسيلة تماما حين تكون مترتبا عليها بكل الحسابات أرواح وخسائر لارتجالية اصحابها واندفاعهم. لن يشفع حماس الوطنية لتمرير فداحة الاقدام على ذلك النحو: دبابات قادمة من عرفات إلى الو سي شاقة قطر المدينة، ومجموعة أفراد لا اتصال محكم بينها ولا يد لها في قيادات الفرق الحاسمة عسكريا، وتضم عناصر غير ماهرة ودبابات تدار من عنصر غير ماهر (كأن مبرر الانقلابيين في تلك الجزئية العظيمة عظم القتل، قريب من مثال الراجل الل كان يصر اعل قراءة القرءان في حضرة بعض الحفاظ، ؤهو إخسرو حتته، ويقول لهم، بعد سأمهم من الاصلاح له وتنبيهه: اندور اص انتم نقرا: ولل خصرت أثمُ اعليكم ولل اصلحت أجره لي)! من أتى بدبابة لا اتصال بها وبرام غير متمرس وجعلها قبالة مبنى، فليتحمل آثار الفعل فنيا وأدبيا، في أقل أقل تقدير.

كمواطن عادي، يعارض فساد ول الطايع وأنظمة زملائه وحراسه اللاحقة، لا تحاول إرغامي على بلع مرارة خطأ تقديري فادح ملفوفة جمرته في تمرة وجاهة إسقاط النظام. خاصة مع تلفيق سردية مشوشة كتمالؤ العقيد رحمه الله مع الانقلابيين وتغطية قتله خطأ في ذلك الخضم بجعله قتلا من الخارج: ذاك احتقار لعقول الناس ؤقادح في أمانة اولئك الضباط إلى يوم الدين.
 فتقبل ذلك الخطاب سيعني ان أي ضباط اتفاهمو ؤتوف افنوبة امتعاض وجيه من الفساد وحماس اعل التغيير بطريقتهم الخاصة مستقبلا بارتجال ودون ممكنات في سلسلة القيادة حاسمة تحقن الدماء، ودون كتل وزانة مرجحة من داخل بدن الجيش، سيكون بمقدورهم القيام بمغامرة فاشلة اخرى ثم الاندماج في المجتمع أبطالا ؤما ينسماو كَاع، حاش!

رحم الله من قضوا،
رحم الله الضابط محمد الامين ول اندجيان، فهو في سياق يومه ذاك ضابط مهني شجاع أدى وظيفته في حدود المهنية العسكرية القيادية، ولا يقدح في ذلك وجاهة معارضتنا للنظام نفسه؛ فقائد الجيش في تحمله لمسؤولياته، ومن زاوية نظره، ليس عليه تقبل مغامرة كتلك لم يستوف اصحابها العتبة المؤثرة في ميزان القوة بما يحقق "شرعية الانقلاب" بالمفهوم العملياتي الذي يلزم القيادة بتقدير الموقف على نحو مغاير حفظا للأمن والنظام العام، فتلك مغامرة حفت بتخفف من مسؤوليات كثيرة، وتهور لُف بالجرأة، حتى وهي وجيهة في خلفية تشكلها نقمة شعبية صادقة، متصدر لها بعض المخلصين في الجيش. 

من العار نفي اعمارة القيادة عن المجموعة -حتى لو كانت خطأ تصويب- ومن القبح المضاعف تمرير سردية ان النظام نفسه استهدف قائد اركانه. تلك ستبقى وصمة، وذلك الفعل، وما حصل في امكنة اخرى من رصاص طائش وموجه، سيبقى في رقاب مرتكبيه ولا تشفع فيه النيات والاحلام لأن كل نقص في الاعداد والترتيب وتحمل المسؤولية أصلا، سيفسد وجاهة المقصد الأبعد. الانقلاب ليس تجربة لعبة بابجي PUBG واقعية، وشجاعة حمل الارواح على الاكف لا تفي بكمال عملية معقدة كتلك، ليست مبارزة ولا دخول امْدَنَّةْ حلة بدو وقت الفجر.
 

نقلا عن صفحة عبد الله محمد

ثلاثاء, 10/06/2025 - 09:52