
نظم بيت الشّعر نواكشوط مساء اليوم الخميس 29 مايو 2025، ندوة علميّة ضمن سلسلة "إشراقات علمية وثقافية"، تناولت موضوع " دور اللّغة العربيّة في التّاريخ الإنسانيّ" حيث استضافت الدّكتور محمّد محمّد علي، وقد أدار الجلسة مدير بيت الشّعر-نواكشوط د. عبد الله السيّد الّذي مهّد للنّدوة بلمحة موجزة عن مسار الضّيف ومكانته العلميّة.
وقد تحدّث الدّكتور محمد ولد محمد علي، وهو باحث وإعلاميّ، ناشط في السّاحة الثّقافيّة الوطنيّة، من مواليد مدينة أبو تلميت 1959، بها تلقّى تعليمه الأوّل، حاصل على دبلوم الدّراسات العليا في الإدارة العامّة بالمدرسة الوطنيّة للإدارة العموميّة بالرّباط المغربيّة 1994، محاضر/متعاون في القانون العام في كلية العلوم القانونيّة والاقتصادية بجامعة نواكشوط من 1988 حتّى 1995،كما عمل موظّفا بهيئة الإذاعة والتّلفزة من 1987 حتّى 1993، وموظّفا بمركز سلطان بن زايد للثّقافة والإعلام بأبو ظبي من 2003 حتّى 2021، له مجموعة من البحوث العلميّة من أهمّها: "الإعلام الغربيّ والإسلام: إشكاليّةالحريّة والمسؤوليّة والصّورة النّمطيّة" الفائز بجائزة شنقيط للدّراسات الإسلاميّة سنة 2017، و"اللغة العربيّة في التّاريخ الإنسانيّ"، "تأثير الفقه الإسلاميّ في القانون الدّوليّ"؛ في محاضرته عن تاريخ وسياق نشأة اللغة العربيّة ضمن عائلة الألسن السّامية إلى ما قبل القرن التّاسع قبل الميلاد، كما أوحت الآثار المسماريّة في الحجاز وقد أشار إلى أن العرب عرفوا الفصحى قديما قبل الميلاد، إذ أثبتت الكتابات النّقشيّة وجود لغة عربيّة فصيحة بذات المفردات المستعملة حديثا، وهو ما يشكّل فارقا حضاريّا بعيدا بينها وبين اللّغات العالميّة المتقدّمة اليوم عليها في دوائر الاستعمال والبحث، إذ لا يكاد يتجاوز عمر إحداها أربعة قرون وليس بين معجميّاتها صلات تداوليّة معاصرة ممّا جعل القطيعة بين أجيال هذه اللّغات أمر حتميّ، عكس اللّغة العربيّة الفصحى الّتي برهنت عبقريّتها على القدرة التّفاعليّة بين مختلف مراحلها وناطقيها، موضّحا أنّ إسهام العربيّة في الحضارة الإنسانيّة كان جبّارا وكبيرا إلى حدّ اعتبار أنّه لولا اللّغة العربيّة لما تخلّص العالم أجمع من ظلام القرون الوسطى، فقد أقرّ بفضل علماء العرب على الحضارة استشراقيون كثر، كما أشادوا على سبيل الاندهاش والإعجاب بالنّظم الفكريّة للعربيّة الفصحى، واصفين إيّاها باللّغة الّتي لا يُعرف لها ابتداء ولا شيخوخة.
وقد عبّر في الجزء الأخير من كلمته عن تحدّي المنافسة الحضاريّة الّذي تواجهه اللغة العربيّة مؤكّدا على ضرورة الاعتزاز الذّاتيّ بشتّى الدّوافع الدّينيّة والثّقافيّة ومواجهة السّباق العالميّ بروح سلاحها الانتصار للهُويّة، وعدّتها استقبال وتلقّي عطاء الأمم الأخرى على وجه الاستفادة، مع الوعي بمستجدّات علوم العصر التّقنيّة، ملفتا الانتباه لفشل الدّعوات اللّهجيّة سابقا خلال القرن التّاسع عشر، ومآل فشل ذات الدّعوات المهمّشة لحضور اللّغة العربيّة في مجالات البحث العلميّ جميعا أمام لغات أوروبيّة لم تكتب قواعدها إلّا مع عصر النّهضة.
واختتمت الندوة بمداخلات قيّمة لأساتذة ودكاترة جامعيّين وشعراء أثارت موضوع "دور اللّغة العربيّة في التّاريخ الإنسانيّ" مثرية الجلسة بآراءات وتصوّرات متباينة عقبها تعقيب لضيف النّدوة محمّد ولد محمد علي، وسط حضور متميّز لباحثين أكادميّين وصحفيّين وشعراء وجمهور من المهتمّين بالشعر والثقافة.