المحروس هو اسم ملك إفريقي تقليدي مظلوم، يبحث عن عرشه الموعود، منذ عشرات السنين، ظل في صمت رهيب، تحت وطأة تهديد من نوع غريب، سلطه أعداؤه من محفل سان لويس (تأسس 1781م)، لم يفلح كرم "ملك ملوك إفريقيا" في جعله يخرج عن صمته، لكنه كان يردد على الدوام كلمة واحدة: ستحترق!
لم يستطع أحد سؤاله عن معنى تلك الكلمة، لا المقربون منه ولا حتى والدته الحنون، الأقرب إليه من كل العالمين، كان يردد تلك الكلمة كلما رآى ما يشير إلى فرنسا من قريب أو بعيد، لم يفهم عنه أحد شيئا إلى بدأت بدأت عملية برخان ثم تلتها عملية سيرفال.
كان قبل ذلك متابعا دقيقا لكل ما يحصل في فرنسا لا يكاد يفوته شيىء مما يحصل من أمور السياسة هناك.
كان مسلما ويحسن القراءة بالعربية والفرنسية والانجليزية وبعض اللغات القديمة لكنه لم يصرح بذلك مطلقا، وكان على صلة وثيقة بجمع مهم من رجال الحكمة في "الساحل" من عرب وطوارق وهوساويين كتومين وصبورين يشاطرونه المشاعر ذاتها تجاه فرنسا ومحافلها الشريرة.
وكان قبل أن يخلد إلى الصمت الكئيب، أسرّ إلى شقيقه بحقائق يسمعها لأول مرة لكنه كان يصدقها ولا يبوح بها قط، من قبيل أن فرنسا تمارس السحر الأحمر وتحتفظ بعزائم خبيثة ضد كل من في قلبه خير أو له حكمة، وتحفظ تلك العزائم لتفسد عقول أهل إفريقيا الغربية، وتمنعهم من اكتشاف الحقيقة المريرة وهي أنها لم تغادر مستعمراتها قط.
وأفضى به البوح إلى أن صرح لشقيقه بأنه أي الملك يحتفظ في ذاكرته بأسماء كل عملاء فرنسا ولكنه لا يستطيع أن يعلن ذلك خشية التعرض "لسحر فرنسي" مميت، و أن تميمة ذلك السحر ظلت موزعة في خزائن إفريقية يحرسها الشياطين خشية أن يخطفها جن من المردة بسبب عراف أو كاهن، وأن هذا سبب انطوائه وخلوده إلى الصمت والعزلة.
كان قبل أن يُسْلمه "الحزن" إلى تلك الخلوة الإجبارية، يستمع إلى تلخيص دقيق لصحف فرنسا وبعض بلدان إفريقية الغربية، فيعلق أحيانا بأن عودة فرنسا إلى إفريقيا هي بداية نهايتها وكان من حوله يتعجبون من تلك الملاحظة ويرونها مناقضة لمنطق الغزو والسيطرة.
بعد سرفال و برخان بدا "الملك" سعيدا ثم بدأ يتمتم بصوت خافت يردد كلمات غير مسموعة لكنها تنم عن كلام منسجم، أصاخ جلساؤه السمع مرات حتى فهموا عنه ما كان يقول، وعرفوا أنه كان تحت تهديد مؤلم من أعدائه موزع في خزائن إفريقية ثم زال فجأة ومن غير سبب وجيه، بعد أن أتلفته "نيران صديقة من السماء قذفتها طائرات فرنسية ثم تلتها نيران من الأرض بسبب فوضى عرقية جاءت بحريق هائل قضى على كل شيئ!
في يوم صحو ومشرق وقف الملك باسما وهو يستقبل إخوانه قائلا: لقد احترقت "أوراق الابتزاز" التي كانت محفوظة في الخزائن الماسونية السرية تحرسها الشياطين.
لم نعد نخشى شيئا!