نحن كديموقراطيين، نعتز بتاريخنا في حركتنا الوطنية الديمقراطية أيما اعتزاز، وأعتقد أن لنا الحق في ذلك لما كان لهذه الحركة من تأثير في مستقبل موريتانيا السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
نعم الأمر كذلك ..
إلا أننا نقدر تقديرا خاصا أولئك الرواد الذين كان لهم شرف الإعلان عن ميلاد الحركة ( توكمادي 1968)، مع أن لقاء كيفه كان أهم وأكثر تأثيرا من اجتماع توكمادي، إلا أنه يجب القول إن الجماعة في الواقع لم يكونوا وحدهم في المعترك إذ كان هناك غليان فكري وسياسي عارم ؛ ففي السنة نفسها ظهرت جماعات سياسية مهمة كان لها دورها البارز في إنشاء الحركة، وعلى سبيل المثال لا الحصر:مجموعة libération,حزب العمل الموريتاني(ptm ), اتحاد الطلاب ... فقد كانوا إذن وحدهم جغرافيا في تلك القرية، كما بينت ذلك أكثر في كتابة سابقة، لكنهم واقعيا كانوا ضمن هذا الغليان الفكري والسياسي العارم.
إن الانتماء لخلية التأسيس شرف عظيم إذ شكل إعلانها منعطفا تاريخيا كان له تأثيره الكبير على مستقبل البلاد والنهوض والوعي بأهمية استقلال موريتانيا كما أسلفت. هذه حقيقة لا مراء فيها ولا جدال.
إلا أن هذا الشرف الكبير مع الأسف، لايعطي العصمة ولايمنع من الزلل أو حتى الانحراف؛ كما لا يمنع المناضلين الآخرين من شرف اللحاق، بل التفوق على المبادرين ولا يسد الباب أمام صمود المناضلين الوطنيين المخلصين في الميدان، كما لا ينبغي لأحد من مناضلينا أو غيرهم أن يشير أو يلوح إلى أن عدم الحضور لتلك المناسبة ينقص من قامات مناضلينا السامقة؛ فلا يستوي أبدا من يعمل ليل نهار ومن غادر الميدان منذ سنين وانشغل بشؤونه الخاصة وأصبح يسمع عن الأنشطة ولا يراها، فهل يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون؟!
إن التاريخ بطبيعته يسير في خطوط متعرجة كما ترى، هذا هو الواقع، كما أن الأمور -كما يقال- بخواتيمها...
رزقنا الله جميعنا حسن الخاتمة.
لقد كان هؤلاء الرفاق خمسة، فأين هم الآن؟
رحم الله سميدع وحبا البلاد بأمثاله. أما الآخرون، فقد ابتعد بعضهم عن النضال 180 درجة وليس فقط "90 درجة" كما قيل من قبل، وذلك منذ سنيين عديدة؛ وأما الثاني فقد اختط لنفسه طريقا خاصا أكبر من تاريخ الحركة على ما أعتقد أنه يعتقد، وهذا هو الحد الأدنى من حريته ؛ أما الثالث فقد انضم إلى حزب معروف اقتنع بأنه يلائمه سياسيا أكثر منا.
و على هذا، لم يبق في ميداننا إلا فارس واحد، مد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية. وهو الذي انتفض وانسل من الوحل بعد ما وقع فيه ورفض البقاء هناك عند ما دفعه آخرون إلى حيث لا يريد، وهذه إحدى ميزاته.
ولا ننسى أن الدور القيادي لهؤلاء الأفراد بعد سميدع، قد تراجع كثيرا في الغالب الأعم، فلم يتول أي منهم قيادة الحركة إلا واحد، نعم واحد، سنة 1974، وتعلمون ما جرى للحركة آنذاك في أقل من سنة، وبكل تأكيد هناك ما لا تعلمون.
وأقول أخيرا وليس آخرا _ وحسب وجهة نظري الشخصية المتواضعة _ إننا ينبغي أن نتنفس التاريخ ونحسه، لا أن نعيشه، وإلا كنا عظاميين كما يقال، أو كقطعة من الزمان الغابر تلكأت.
ومرة أخرى، فالأمور بخواتيمها.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
وأترك لكم التعليق.