
المصطلح السياسي للصحراء الغربية عبارة عن إقليم من الأرض العربية في القارة الأفريقية يقع على تخوم ثلاثة أقطار من المغرب العربي هي المغرب، موريتانيا و الجزائر. كان هذا الإقليم يخضع للاستعمار الاسباني بموجب الاتفاقية المعروفة ب"عملية أوراكان/ إيكوفيون"(Ouragan/Ecouvillon) بين فرنسا و اسبانيا في شهر فبراير 1958 إثر حملة عسكرية قامت بها الدولتان مباشرة بعد استقلال القطر المغربي حيث استأثرت فرنسا بموريتانيا و اسبانيا بالساقية الحمراء و واد الذهب (الاسم الأصلي للإقليم). هذا التقسيم المحلي يدخل في إطار التقسيم الأشمل المعروف باتفاقية سايكس بيكو الشهيرة المبرمة سنة 1916 بين فرنسا و بريطانيا ممثلتين بمندوبيهما مارك سايس و إيف بيكو. تعتبر هذه الاتفاقية أن هذا التقسيم موجه إلى الإمبراطورية العثمانية التي كانت تستعمر الوطن العربي باسم الخلافة الإسلامية لكنها في الواقع تستهدف الكيان العربي جغرافية و حضارة و مستقبلا. يدل على ذلك أن التجزئة صارت في ما بعد أقوى سلاح بيد الاستعمار الأوروبي و كانت - أي التجزئة - بداية انحطاط جديد بعد الاستعمار العثماني، لكن ذلك كما هو معروف لم يمنع اندلاع الثورات في أقطار الأمة كافة و منها انتفاضة سكان الإقليم التي بدأت في العام 1970 من القرن الماضي و قد شارك فيها أبناء الجوار من الأقطار الثلاثة المذكورة و بخاصة من المغرب و موريتانيا. من 1970 حتى 1975 كان الشعار الذي ترفعه القوى التحررية في هذين القطرين هو التحرر من الاستعمار الاسباني، و بالفعل غادرت القوات الاسبانية هذا الإقليم لكن المغرب نظم مسيرة عظيمة من 350 ألف مواطن مغربي صوب تلك الأراضي لاستلامها. رفض السيطرة المغربية جزء من ساكنة الإقليم و احتموا بالجزائر معلنين المطالبة بالاستقلال. هنا، و في ظل التجاذب الجديد انتبه النظامان ،المملكة المغربية و الجمهورية الجزائرية ، التي كان يرأسها المرحوم هوارى بومدين آنذاك ، لإمكانية توظيف ما أصبح يعرف ب"قضية الصحراء الغربية" لتقوية نظاميهما و ليس قطعا لتوحيد الأراضي المغربية كما يدعى المغرب ،ينما مدينتا سبته و مليليه ما زالتا تخضعان للاستعمار الاسباني إلى يوم الناس هذا، كما أن موقف الجزائر ليس لمؤازرة الشعوب المطالبة بالاستقلال و تقرير المصير كما تزعم الأنظمة الجزائرية في دعايتهم .. إنما كان هدف النظام المغربي و الجزائري إزاء قضية الشعب الصحراوي أقل شرفا و نبلا وهي تقوية نظاميهما ليظلا جاثمين على هذا الشعب الواحد المُقسَّم إلى دولتين و لتعزيز القطرية المقيتة التي تخدم بقاءهما على رأس السلطة .. حتى حكم المختار ولد داداه في موريتانيا الضعيفة و الهامشية و الذي سبق أن ادعى تبعية هذه الأقاليم لتراب البظان كما كان يسميها المستعمر، طمع في أن يقوي نظامه و يعزز الوجود الفرنسي أو الفرنكوفوني في هذه الربوع من خلال استلامه جزءا من هذه الأرض.
نجم عن هذه النزعة القِطرية الضيقة المنسجمة مع خدمة المصالح الشخصية و حب الحكام للكرسي نتائج وخيمة، بل كوارث يختزلها تعطيل الكيان المغاربي، الذي بإمكان سوقه التي تتجاوز أكثر من مائة مليون مستهلك أن تستوعب جميع المتطلبات الإقتصادية لشعب هذا الكيان الكبير. الكارثة الأخرى تمثلت في زرع العداوة و البغضاء و الاقتتال بين أفراد الشعب المغاربي في ما يسمى "حرب الصحراء" التى تضررت منها بلا راجع جميع الكيانات التي تشكل هذا الفضاء . كان المرحوم همام يقول بدعابته الدائمة الهادفة عندما يسمع ذكر قتلى هذه الحرب "القاتل و المقتول كلهم بظان".
مهما يكن فإن مشكلة الصحراء التي بيَّنا جانبا من أضرارها يجب حلها جذريا ضمن وحدة فدرالية مغارية و ليس بالترقيع و محاولات الإصلاح المعهودة،أو لإنحياز لنظام من هذه الأنظمة و هو ما يتعارض بالضرورة مع النظرة القطرية الضيقة التي لا تخدم إلا الحكام.
إن هؤلاء يتجاهلون حقيقة تفقأ العين و هي وحدة الشعب المغاربي و بالتالي مصيره المشترك؛و إن كان ميزان القوى في الوقت الراهن هو لصالح القوى القطرية الرجعية؛ و إن كانت نضالات الشعب المغاربي و قواه الحية قد أرغمت هذه الأنظمة على قبول تشكيل المنظمة التي أصبحت تدعى "المغرب العربي" أو "المغرب الكبير" و ما مزاعم الجبهة الشعوبية بأن من بين الشعب المغاربي مكونات غير عربية إلا دعوى يمكن اعتبارها جزءا من الحملة المعادية للعروبة في هذه المنطقة.
إنه إذا تم إنجاز الوحدة المغاربية، إزالة الحدود، توحيد المناهج التعليمية، توحيد النقل الجوي و البري و البحري، إلغاء القيادات القطرية و الإبقاء على قيادة مغاربية واحدة عبر التصويت الديموقراطي الخ ... فماذا سيحدث؟
أولا:ستكون خطوة جبارة على طريق الوحدة الشاملة، ثانيا:ستدر على الشعب منافع لا تحصى اقتصاديا و ثقافيا و اجتماعيا؛ و ستكون مساحة الدولة المغاربية أربعة مليون كم مربع على الأقل و أكثر من مائة مليون نسمة. كما سيكون للدولة المغاربية- التي نحلم بها- موقعا ستراتيجيا فريدا يطل على أوروبا و أفريقيا .. باختصار ستكون دولة جبارة و منافسا قويا لأوروبا و الغرب عموما و هو ما يفسر استماتة هذه القوى المعادية في إبقاء المنطقة مُجزَّءة و بها صراعات لا أمل معها فى أي تطور أو بناء. ويدخل في هذه المحاولات المعادية ما يسمى نزاع الصحراء الغربية .
إن الموقف المبدئي من هذا النزاع هو ما بيَّنا في إطار الانسجام التام للشعب المغاربي، لغة واحدة، تواصلا جغرافيا حيث لا محيطات و لا دول تفصل بين أقطار المغرب العربي،فضلا عن التكامل الاقتصادي الواضح ؛ فالمغرب تغلب فيه الفلاحة و موريتانيا السمك و لاحقا الغاز و الأراضي الزراعية و الجزائر الحديد و النفط و ليبيا النفط و تونس السياحة .. هذا مع اشتمال كل واحد من هذه الكيانات على ثروات أخرى كثيرة ..
و ما دامت المبادئ لا تتحقق إلا بالتدرج و الأخذ في الاعتبار السياسة و إكراهات واقعية أخرى يجب اعتبار ما تحقق من اعتراف بوحدة مصير هذا الفضاء مكسبا أساسيا في حد ذاته، ثم دفع القوى الحاكمة إلى مزيد من التنسيق، و الرفض رفضا باتا لأية محاولة تفتيت للمنطقة أو إضافة كيانات جديدة إلى تلك الموجودة. إننا نخاطر بهكذا موقف مبدئي بأننا نقترب ظاهريا من الموقف المغربي لكن الحقيقة أننا نقترب من الواقعية السياسية و التشبث بمبدأ الوحدة المبدئية لأقطار؛ و لا مفر لنا هنا من التعامل الواقعي مع الأنظمة القطرية الحاكمة إلى أن تأتي فرص أكثر ملاءمة. فما دام المغرب قد ضم أغلبية هذه الأقاليم فيبدو لنا من غير الواقعي الصراع معه على هذا الإجراء، لكن علينا العمل على حل مغاربي شامل و ليس حلاً مغربياً و لا جزائرياً و لا حلاً ينادى بتكوين كيان إضافي آخر. و لا يظُنَّن أحد أن الحكام القطريين سيلجؤون إلى هذا الحل - الحل الوحيد في الواقع ل"مشكلة الصحراء" - من تلقاء أنفسهم بل لا بد للشعب المغاربي و قواه الوحدوية الثورية من خوض هذه المعركة بجدية وتقديم التضحية المطلوبة لذلك ..
إن الوحدة المغاربية قضية حياة أو موت بالنسبة إلينا نحن الموريتانيين على وجه الخصوص لأنها ستساهم في المحافظة على هويتنا العربية المهددة في الوقت الراهن، وعلى وجودنا كمجموعة بشرية تواجه أمواج المهاجرين نحو أروبا؛ و ستمكننا من ترتيب استغلال ثرواتنا الكثيرة و قطع الطريق أمام الأطماع الخارجية التي تحاول وضع اليد عليها. فالنجعل إذن من وحدة المغرب العربي مطلبا يوميا و لنستعد لتقديم التضحية اللازمة لذلك بدلا من الارتماء في أطروحات أحد الأنظمة القطرية في الجزائر أو في المغرب ، أو تبني خيار أحدهما على الآخر .
جريدة الدرب