
تفجرت ثورة الجزائر في زمنٍ كانت ألسنة المدافع مستجابة الدعوات طاهرة الافواه، وكانت فوهات البنادق لا التدوينات ولا صناعات المحتوى هي الفيصل في تقرير وجهة التاريخ، ولكنها للعلم لم تكن مجرّد انتفاضة وطنية لاخراج فرنسا من الجزاير، بل كانت بركانًا إفريقيًا مشتركًا، تجمع في قلبه مناضلوا افريقيا من النجوم السواطع ابان الغليان التحرري، لم تكن الجزائر وحدها في الميدان، كان هناك مناضلون أفارقة كثر لا ينتمون فقط لبلدانهم بل لروح القارة بأكملها عبروا الجغرافيا إليها لا عطفا أو إنسانية بل ايمانا وقناعة بأن معركة الجزائر هي مفتاح الحياة الجديدة التي ينتظرونها ويحلمون بها للقارة الافريقية بأكملها.
من هؤلاء من هو غني الذكر والتعريف، مثل نلسون مانديلا الذي قاتل كتفا بكتف مع الجزائريين وقال بعد ذلك كلمته المتداولة، إن الثورة الجزايرية صنعت مني رجلا.
و من هؤلاء المناضلين التاريخيين فرانتز فانون، الطبيب القادم من المارتينيك الذي تنازل طواعية عن جنسيته الفرنسية، وانضم رسميًا إلى جبهة التحرير الوطني ، ليس كمفكر ومنظر فقط، بل كمقاتل وطبيب ميداني عالج جرحى الثورة، وكان يُخاطر بنفسه بنقل الأسلحة والمساعدات للثوار، مستخدمًا سيارته الخاصة ؛
وحين اشتد عليه المرض الذي أودى به وهو في ريعان شبابه رفض التوقف عن النضال، و أملى كتابه الأخير "المعذَّبون في الأرض" وهو على سرير الموت، كوصية فكرية للثوار .
مات افرانتس فانون سنة 1961 في الولايات المتحدة اثناء رحلة علاجية ونقل جثمانه الى الجزائر حيث دفن بمقبرة الشهداء تكريما له من قبل جبهة التحرير .. وهذا أقل ما يمكن أن يجازى به.
ومن هؤلاء أيضا الزعيم الغاني اكوامي انكروما فقد كان هو الآخر مدافعا شرسا عن الثورة الجزائرية ومناصرا لها في المحافل الدولية مستضيفا لوفودها بشكل مستمر في عاصمة دولته آكرا، حين كان قادة العالم يتجنبون مجرد الاعتراف بعدالة قضيتهم.
ومن هؤلاء كذلك موديبو كيتا الذي وقف بكل تفان واخلاص مع ثوار الجزائر معرضا بلده مالي الحاصل للتو على استقلاله للازمات الاقتصادية والعزلة السياسية مؤكدا ان استقلال مالي لا يكتمل الا باستقلال الجزائر وخروج الفرنسيين من جواره..
و لا جدال في أن وفاء قادة الجزائر التارخيين الاوائل لمبادئهم و للقارة كان مضرب المثل ، و لبومدين كلمة مشهورة " أنا مع افريقيا ظالمة أو مظلومة" ،
فلماذا تنسى الجزائر اليوم هذا الجذر الأصيل في ثورتها التاريخية ؟
ولماذا تقف متوجسة ونابذة لثورات الساحل التي تستلهم روح افرانتس فانون، و كيتا و نكروما وبومدين ؟،