في الحلقة الماضية تحدثنا عن نية نشر كتيب صغير الحجم كبير المعنى، عن العلامة محمد محمود بن التلاميد، ونرجو من الله أن يوفقنا لذلك، ثم تحدثنا عن مكانته عند علماء مصر، وأردفنا ذلك بالحديث عن أشعار أنشدها في حق المفكر الكبير محمد عبده مفتي الديار المصرية، وأثبتنا قصيدة له في ذلك وواعدنا جمهور القراء أن نكمل في تلك الطريق، وها هو الوعد نفي به، مبتدئين بإكمال ما أنشده في حق المفتي، حيث قال مخاطبا له:
أيا من قد نأى عنا وغــــــــــابا وبعد قضائه الحاجات آبا
تغنينا بشعر الصدق لـــــــــــــما عزمت إلى أباطحك الإيابا
وكائن بالأباطح من صديق يراه لو أصبت هو المصابا
ومسرور بأوبتنا إليــــــــــــــــــــــــــــــه وآخر لا يحــــــــــــــــــــب لنا إيابا
ومما قاله متحدثا عن العلم:
ليت من لا يحسن الـ ... * ... ــعلم كفانا شر علمه
فاعرف الحق ابتداء ... * ... و قس العلم بفهــــــــمه
طيب الريحان لا تعـ ... * ... ــرفه إلا بشـــــــــــــــــــــــــمه
أما شهرته التي ملأت الآفاق، وشغلت الناس في زمانه، فقد جمعها أحد الشعراء ممن نال إعجابه، وسكبها في بحر متلاطم من المآثر الحسنة للرجل، ومما قام بهخدمة للعلم والعلماء والبشرية قاطبة فقال أحدهم مقدما لها: قصيدة من مديح الأستاذ صفوة المحققين ونابغة اللغويين، الشيخ محمد محمود التركزي الشنقيطيمن نظم الأديب محمود أفندي خاطر أحد موظفي نظارة المالية:
مثلت بالعرب جــــــــــــــــــــــــــــــدًّا ونلت بالــــــــــــجد جدًّا
وما عرفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــناك إلا إمام علــــــــــــــم مبدّى
وما سمعنا لســــــــــــــــــــــــــــــانًا يقول قولك قـــــــــــصدًا
وما رأينا صـــــــــــــــــــــــــحاحًا بغير إذنك تهـــــــــــــدى
ولا قرأنا عبـــــــــــــــــــــــــــــــــــابًا يمد مثلك مــــــــــــــــــــــــــــدًّا
وأن نعمــــــــــــــــــــــــــــــــــــة ربي لصفوة الخلق تسدى
وقد سرى لك منــــــــــــــها جمع به صرت فردًا
لا في العراق نظــــــــــير تراه يومًا تبــــــــــــــــــــدى
ولا ببغداد، كَـــــــــــــــــــــــــلاّ يلتمس الناس نــــــــــــــدًّا
وليس يأوي ببصرى وليس يسكن نـــــــــــــــجدًا
أهل الحجاز جمـــــــــــيعًا فاهوا بحمدك جــــــــــــــدًّا
أمير مكة فــــــــــــــــــــــــــــخرًا قد عد علمك مــــــــــــجدًا
أيام لم يجدن فيــــــــــــــها لك في العلم بــــــــــــــــــــــــــدًّا
أيام أبرزت علـــــــــــــــــــمًا على ذوي الجهل ردًّا
في كل قطر ومصر يفوح مدحك نـــــــــــــــــــــــــــدًّا
بالحق ما أنـــــــــــت إلا جسم من العلم ينــــــــــــدى
أرسل علومك تبـــــــــغي من الأماجد جـــــــــــــــــــــــــندًا
يأتوك طلاب علــــــــــــــــــم ولن يخافوا مـــــــــــــــــــــــــــــــــــردًّا
ومن تصدى لعـــــــــــــــــــلم أفنى الليالي كـــــــــــــــــــــــــــــــــــــدًّا
يستسهل الصعب حتى ينال بالسعي ســــــــــــــــــــــعدًا
وشيخنا التركزي قـــــــــــد مهد للعلم مـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــهدًا
فلا يصغِّر خـــــــــــــلاًّ ولا يُصَعِّر خـــــــــــــــــــــــــــــــــــــدًّا
ولا يحقر قـــــــــــــــــــــولاً ولا يصدن صـــــــــــــــــــــــــــــــــــدًّا
فما علمنا عليــــــــــــه شيئًا لذلك ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدًا
وقد سردنا قلــــــــــيلاً من مكرماتك ســــــــــــــــــــــــــردًا
أما الكثير فشيء كالنمل والرمل عـــــــــــــــــــــدًّا
وأنت في البر بحر لم نستبن لك حــــــــــــــــــــــــدًّا
ويظهر أن للعلامة أشعارا كثيرة غير تلك التي نشرت في المكتبة الشاملة ضمن مجلة المنار التي كان المرحوم رشيد رضا ينشرها، وقد وقفت على أطلال قصيدة في مدح أمير مجهول كما هو في فهرس مخطوطات الخزانة العامة، بالرباط. الرقم: 2106، تمت فهرستها وأنشدوا مقدمتها وخاتمتها حيث قالوا:
حمدا لمالكٍ وفي الجو والسفل ثم الصلاة على مُقَدم الرُّسُلِ
محمدٍ وصحابه وعِتْرَتِـــــــــــــــــــــــه وتابِعيهم ومن للتابعين يلِــــــي
وآخرها:
جازاك ربي عن الورى بأفضل مــــــــــــا يُجْزَىَ به ملكٌ عن قومِه وَوَلِي
صلى الإله على المَبْعُوثِ من مُضَرٍ على مُرُورِ لَيَالِي الدَّهْرِ والدُّوَلِ
وأخيرا إن من يتابع خطوات علامة اللغة العربية في زمانه، وهو يخطوها في روية وأناة لابد أن يجد على آثار ذاك الرجل ما يتحف به القارئ قل أو كثر، فأخباره وآثاره تظهر من حين لآخر فيما يستجد من وثائق خاصة في مشرق العرب وأرض الفرنجة، وبلاط الدولة العثمانية، حيث صال وجال بحثا عن كل ما هو طريف من مخطوطات العرب والمسلمين.