يمكن للمطل على المشهد الاجتماعي في بلادنا أن يخرج بنتيجة مفادها أن البنية الاجتماعية قد شرعت بالفعل في الانهيار الكامل والسقوط في مستنقع التفكك والعزلة الفردية. .وبالرغم من أن جذور المسألة ترجع إلى أسباب كثيرة إلا أن أهمها يبقى دائما هو تخلف النظرة المجتمعية للزواج فالمشكلة ليست التكاليف الباهظة وحسب بل هي في الأساس تكمن في التصور التقليدي للزواج باعتباره (حرب مصاهرة ونسب) لا هوادة فيها ولا صلح.
لقد أصبح الزواج فكرة شيطانية تُسل في سبيلها مئاتُ السيوف و لا ترجع إلى أغمادها حتى تتقطع بها أوصال الوحدة و أُسُس البناء،لقد أصبح الزواج حربا ضروسا لا بد لها من عتاد وخيل وركاب، فالشاب يمكث سنينا عجافا من النكد والتعب ليجمع حَفنة من المال تخول له دخول باب (الزواج) وكأن الغاية من وجوده في الحياة أن يقول الناس «فلان تزوج» فهل يعقل أن يبذل الانسان عرق جبينه حتى يحصل على أبسط حقوق الحياة البيولوجية (التناسل)! والتي يتقاطع عندها مع عالم (الحيوان).
ثم بعد كل تلك الجهود المُضنية يكتشف الشخص أنه مجرد أداة استنساخ في يد المجتمع فلا هو يملك حق تقرير مصير زواجه المعقد بل لا بد له من أبراج مراقبة عالية تراقب تحركاته كما تراقب الكواسر فرائسها، فبعد الزواج يبدأ التدخل السافر من كلا الطرفين (الأصهار والأحماء) في حياة الزوجين بُغيةَ تسييرها حسب المزاج السائد، وكل هذه العوامل مجتمعةً ساهمت في تقليص نِسب الزواج من جهة وتكثير نِسب الطلاق من جهة أخرى... وكذلك ساهمت هذه العوامل في اختلال الهرم الاجتماعي وبروز التباين العمري بين الأزواج فالمرأة الشابة الفَتية تجد نفسها مرغمة على الزواج من شخص يكبرها في أحسن الأحوال بعقد من الزمن لأنه هو القادر على دفع ثمنها من عرق جبينه...وفي المقابل وجد الشباب أمامهم خيارات محدودة فإما أن يصبر أحدهم على جحيم الفقر وسعير الأشغال الشاقة وصقيع الفقر المدقع لتكون عاقبته زواجا تَحترق فيه جهودُه التي شيدها بلحمه ودمه ثم يجد نفسه بعد ذلك رهن فتاة استهلاكية مبرمجة على نقض البناء ومحق النماء تتربع على عرشه وتعامله معاملة المالك للمملوك... والخيار الثاني أن يتسلل لواذا إلى احدى دول الجوار ليجد زوجة صالحة منتجة هذا مع المكافآت المترتبة على زواجه بها من تسهيلٍ للأوراق ودمجٍ في الحياة وتقديرٍ للجهود والمؤهلات.... فكم من شاب هاجر و تزوج ببعض راتبه وقضى بقية عمره في صناعة الحياة وبناء الذات.
وفي الختام فكل المعطيات تشير إلى أن المجتمع الموريتاني إذا لم يتدارك واقعه المزري وتقاليده البائدة فستتكفل دورة الحياة بدفنه في نفايات التاريخ.....
وللحديث بقية فلستُ ممن يلوم المريض دون أن يقدم له العلاج بل سأتناول في منشورٍ قادم ما يمكننا فعله فرادى وجماعات لإنعاش حياتنا الاجتماعية فما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء.....