باحثة فرنسية: المهاجرون في موريتانيا بين الشراكة الأوروبيّة والوضع الداخلي 

قالت رئيسة وحدة بحوث الهجرة بالمركز الوطني للبحث العلمي CNRS، جوسلين سترايف فينارت،  إن سياسة الهجرة في موريتانيا، كما تتجلى في اتفاقية الهجرة بين نواكشوط ومدريد (2022) والشراكة بين الاتحاد الأوروبي وموريتانيا (2024)، تتوافق مع المبادئ التوجيهية التي ظهرت قبل نحو عشرين عامًا.

 

وأضافت الباحثة، فى مقابلة مع مجلة  The Conversation، ان سياسة فرض الرقابة على الحدود الأوروبية، التي اعتمدها مجلس الاتحاد الأوروبي في عام 2004، وجدت مكانا للتطبيق في موريتانيا. وذلك عندما تم إعادة توجيه التدفقات المهاجرة، التي كانت متجهة في البداية نحو جبل طارق وسبتة ومليلة في المغرب، نحو مدينة نواذيبو الموريتانية.  ومع إنشاء نظامي "سي هورس" و"أتلانتس" وبرنامج "فرونتكس" (هيرا الثاني في عام 2006)، أصبحت موريتانيا مكانا لتجربة سياسات الهجرة الأوروبية. وتهدف هذه الاتفاقات إلى تفويض دول المغادرة والعبور باحتواء الهجرة غير النظامية نحو أوروبا مقابل توفير الوسائل المالية واللوجستية.

 

 

وتابعت، فينارت، "خلال البحث الذي أجريته مع فيليب بوتينيا في مدينة نواذيبو في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تمكنا من ملاحظة أن وجود الشباب الذين ينتظرون العبور إلى جزر الكناري لم يثير أي عداء خاص. وفي هذه المدينة ان المهاجر شخصية مألوفة ومندمجة في النسيج الاقتصادي. ولم يكن للتمييز بين المهاجرين النظاميين، والعمال المهاجرين، والمهاجرين غير الشرعيين أي معنى".

وأضافت "لم يتم فرض هذه التمييزات إلا تدريجيا، تحت ضغط متزايد من المنظمات الأوروبية. وقد أدى تشديد الضوابط إلى تغيير أساليب الشرطة اعتباراً من عام 2006 فصاعداً، مع التركيز على الاعتقالات الوقائية في المنازل وفي الشوارع، والتي غالباً ما أعقبها عمليات طرد (11637 في عام 2006). واستهدفت هذه الإجراءات "المهاجرين غير الشرعيين".

 

واعتبرت الباحثة الفرنسية بان هذه العملية جاءت في سياق سياسي حيث كانت هناك نزعة قومية شعبوية تؤكد نفسها، وتدعو من بين أمور أخرى إلى "مرتنة الوظائف". ويمكن ملاحظة صعود موضوع الهوية الوطنية في الوقت نفسه في برنامج تسجيل السكان الهادف إلى التحقق من صحة الهوية الموريتانية.

 

دواعي عمليات الترحيل الحالية؟

 

فى ردها علي هذا السؤال من المجلة، اعتبرت الباحثة أنه "ان العبور  عن طريق موريتانيا شهد مؤخراً إقبالاً جديداً من المهاجرين، ففي عام 2020، وصل أكثر من 40 ألف مهاجر إلى جزر الكناري، مما لفت انتباه السلطات الأوروبية. وقد برر هذا الأمر إضفاء الطابع الرسمي على الشراكات بين الاتحاد الأوروبي وإسبانيا وموريتانيا، بهدف تشجيع هذه الأخيرة على تشديد تشريعاتها ضد الهجرة "غير النظامية".

 

ورغم منح التأشيرات المؤقتة والخطابات الإنسانية الأكثر تركيزا على مكافحة الإتجار بالبشر وحماية اللاجئين، فإن الضوابط الناجمة عن هذه الاتفاقيات تظل مرتبطة بالأمن في المقام الأول. وتؤدي هذه الاتفاقات إلى استئناف التعاون بين الشرطة (الدوريات المشتركة، والمراقبة الجوية) وتكثيف الإجراءات ضد المهاجرين غير الشرعيين (المداهمات، والاعتقالات، والطرد).

 

وبرر الاتحاد الأوروبي تشديد الرقابة بما يتناسب مع حجم الميزانية المالية البالغة 210 ملايين يورو لعام 2024 بـ"مكافحة الهجرة غير الشرعية"، إلا أنه لا يخلو من إثارة توترات جديدة.

 

ومن ناحية أخرى، فإن هذا التشديد يستلزم احتجاز المهاجرين لفترة أطول ومنعهم من التنقل. وهذا يضع الحكومة الموريتانية في خطر التعرض لاتهامات من جانب قطاع من المعارضة الذي يرى في الهجرة تهديدا ديموغرافيا ومنافسة في سوق العمل. ومن الممكن أن تكون حملة طرد المهاجرين أيضا رغبة فى إظهار الحزم للتوظيف الداخلي، ردا على هذه الاتهامات بجعل موريتانيا "الوطن البديل" للمهاجرين غير الشرعيين.

 

ومن ناحية أخرى، تتسبب عمليات طرد المواطنين السنغاليين والماليين والإيفواريين والغينيين، في أغلب الأحيان، في إثارة التوترات مع الدول المجاورة لموريتانيا. وهم يثيرون تساؤلات جدية حول العلاقات بين الدول في الفضاء الإقليمي. ويتجلى ذلك في "سخط" الحكومة السنغالية، ناهيك عن الاحتجاجات التي نظمتها المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني المحلي ضد المعاملة  التي لقيها المطرودون (ولكن ربما كان وزنها السياسي أقل).

 

وختمت الباحثة حديثها باعتبار ان عمليات الترحيل الأخيرة كانت لها عواقب وخيمة. وكشفت عن التناقضات التي تعيشها موريتانيا: فمن جهة، المطالب الأوروبية، والدفع القومي نحو "الهوية الموريتانية". ومن ناحية أخرى، هناك قيود العلاقات الدبلوماسية الإقليمية وفوائد التنقل التقليدي، مثل التنقل التجاري والعمالي، بالنسبة للديناميكية الاقتصادية للبلاد.

 

المصدر

خميس, 27/03/2025 - 15:55