
خلال فعاليات تخليد اليوم العالمى للفرانكفونية، الذي يوافق الـ 20 مارس، قال سفير فرنسا المعتمد لدى موريتانيا ألكسندر غارسيا يوم أمس " إن السلطات الموريتانية تولي أهمية لمكانة اللغة الفرنسية وترسيخها من أجل التزام موريتانيا بالقيم التى تتمسك بها الفرانكفونية".
وأضاف السفير أن اللغة الفرنسية في موريتانيا تتطور "لتشكل ثروة حقيقية نحو التبادل والانفتاح على العالم".
وكأن هذا السفير لا يدري أن الفرنسية في موريتانيا تستجدي المدرسين المتقاعدين رغم إصرار صناع القرار على التمكين للغة الفرنسية ولو على حساب أبناء بلدهم'
حيث أصدرت وزارة التهذيب الوطني في السابق بيانا جاء فيه:
(نظرا للنقص الملاحظ فى أساتذة الرياضيات و الفيزياء و اللغة الفرنسية تطلب وزارة التهذيب الوطني من المتقاعدين من فئات أساتذة التعليم الإعدادي و الثانوي و مفتشى التعليم الثانوي والأساسي و المعلمين المكلفين بالتدريس فى المستوى الإعدادي الراغبين فى التعاقد بصيغة “مقدمى خدمة تعليم ” أن يُودعوا ملفات الترشح لدى المديريات الجهوية للتهذيب بعواصم الولايات التى يرغبون فى العمل بها خلال الفترة من 11 -12-2023 إلى 22-12-2023 الساعة 12)
وقبل ذلك كتب موقع ريم آفريك 05/02/2021 تحت عنوان "موريتانيا: لا ناجح في مسابقة أساتذة الفرنسية والفيزياء" :
(عجز مئات المترشحين لوظيفة أساتذة الفرنسية في مادتي الفرنسية والفيزياء عن تجاوز عتبة النجاح، واعلنت اللجنة الوطنية للمسابقات أنه لم ينجح اي من المترشحين للمقاعد الاربعين المخصصة لمادة الفرنسية.
وأظهرت المسابقة شغور 152 مقعدا وظيفيا في مسابقة المواد المدرسة بالفرنسية بسبب عجز أغلبية المترشحين عن تجاوز عتبة النجاح.
وجاء توزيع المقاعد الشاغرة على النحو التالي:
- لا ناجح في الشعبة الفرنسية والمقاعد المتاحة أربعون
- لا ناجح في شعبة الفيزياء والمقاعد المتاحة خمسون
- أربعة ناجحين فقط في شعبة الرياضيات، والمقاعد المفتوحة خمسون
- 24 ناجحا في شعبة العلوم الطبيعية، والمقاعد المتاحة أربعون
بينما كل المواد المدرّسة بالعربية حُجزت مقاعدها..
وأرجع مراقبون هذا الشغور إلى ضعف المستويات وخصوصا في اللغة الفرنسية التي تدرس بها موريتانيا المواد العلمية منذ إصلاح 1999).
واستنادا إلى هذا كله فإن المواطن الموريتاني قد أدرك بحسه الثقافي أن اللغة الفرنسية في طريقها إلى الزوال ' وليس لها مستقبل في هذا البلد الذي فرضت عليه 'وتم تلقينها لأبنائه أزيد من 100 سنة '
ومع ذلك لم ينجح - كما رأينا في المسابقات الأخيرة - أي أستاذ في اللغة الفرنسية أو في المواد التي تدرس بها - ليتأكد أن الشعب الموريتاني عازف بطبعه عن الفرنسية - حتى بقيت أغلبية المواد التي تدرس باللغة الفرنسية تستجدي مدرسين متقاعدين عجزة أكلوا أعمارهم' ليضيفوا عليها وظائف غيرهم حتى يتم الاستغناء عن اكتتاب بعض جيوش العاطلين عن العمل الذين يستطيعون توظيف اللغة الأم ' التي تأكد أن الأساتذة والتلاميذ في بلادنا يتحدثون بها في الأقسام الفرنسية من أجل فهم المادة العلمية' ولو كان ذلك بطريقة مشوهة ' فكأن اللغة العربية (لحم الرگبه موكول ومذموم).
وفي ذلك يرى علماء التربية أن المعارف التي يتلقاها الطفل بلغته الأم تكون عادة أسهل تحصيلا وأعمق أثرا من المعارف التي تلقاها بلغة مازال في طور تعلمها، لأن لغته الأصلية تسود يوميا في الحياة العائلية والاجتماعية ،وتظل في الميدان الدراسي لغة للتواصل بين التلاميذ والمدرسين.
كما أكد هؤلاء العلماء أن النصوص المودعة في كتب تدريس اللغة، أي لغة لن تكون محايدة فهي مشحونة بمعارف حضارة تلك اللغة، لذلك لا يخلو نص عربي مثلا من ذكر لحديث شريف، نصا أو روحا، أو حكم وفوائد جمة أخرى .
وهذا ماجعل الكتاب والمدونون الموريتانيون يطلقون صيحات الإستغاثة مرددين بصوت واحد "درسني بلغتي" بعد أن مكثنا جميعا أكثر من 20 سنة في ظل الكارثة التي جلبها "إصلاح" 1999 للتعليم في بلادنا حيث حط من قيمة اللغة العربية وعزز مكانة اللغة الفرنسية مما أدى من بين أمور أخرى إلى نقص كبير في سيادة الدولة' وتدني فظيع في مستوى التلاميذ ،وربط مستقبلهم بلغة شبه مية وفي طريقها للزوال ' وهذه جريمة في حق الشباب من وجهة نظر علماء التربية.
وفي هذا الشأن كتب محمد الامين اممد تحت عنوان درسني بلغتي (حين يكون أستاذ المادة العلمية التى دُرست لك منذ دخولك الابتدائية ثم الاعدادية والثانوية وحتى الجامعة لايقدر أن يوصل لك الفكرة المقصودة إيصالا تفهم منه إلا بعد شرحه لك بالعربية أو الحسانية أحيانا مع مزجها بالفرنسية التى تدرس بها فمن حقك أن تصرخ في وجهه عاليا. #درسنى_بلغتى).
ورغم أن التدريس باللغة الفرنسية على هذا النحو فيه مكابرة وتشويش وخطر كبير على معلومات التلاميذ ومضيعة لمستقبلهم ومواهبهم بحيث لم يكن باستطاعتهم أن يتخرجوا كأساتذة في مواد اللغة الفرنسية - كما تأكد ذلك من قبل - فإنه يؤدي في النهاية إلى تدني نسبة النجاح عموما' وفي الثانوية العامة على وجه الخصوص' لأن الأسئلة والأجوبة سوف تكون محررة باللغة الفرنسية وحدها دون مساعدة من مفاتيح للفهم من اللغة العربية التي تعودوا عليها في الفصل.
وهذا يشبه تماما الواقع الحالي للإدارة في بلادنا حيث يتم الحديث الشفهي داخل هذه الإدارة باللغات الوطنية ' كما يتم الحديث كذلك شفهيا بين الموظفين وبين المواطنين بنفس اللغات الوطنية ' لكن من المفارقات أن هذه الإدارة عندما تحرر ورقة لصالح مواطن موريتاني أو أي جهة أخرى فإنها في الغالب تقوم بكتابتها باللغة الفرنسية' ويؤكد هذا المشهد أن اللغة الفرنسية في موريتانيا بلا جذور رغم إصرار البعض على التمسك بها.
لذلك نزفها بشرى لأبناء وطننا الحبيب أنه مهما طال زمن تجهيل الأساتذة والتلاميذ بواسطة( التعلم) باللغة الفرنسية الباهتة المفروضة على شعبنا ' واستمر الافرنكفونيون في تجنيد أتباعهم من أجل الاستلاب اللغوي والحضاري' وعينوا لأجل ذلك مستشارا فرنسيا لوزير التهذيب' فإن اللغة الفرنسية التي تستغيث اليوم بالمتقاعدين في بلادنا قد تمزق نسيجها دثارا وشعارا بفضل المقاومة الثقافية التي لم تتوقف مع إعلان (الاستقلال ).
وأن الهوية الموريتانية ستبقى هوية عربية إسلامية تحلق بهذين الجناحين اللذين يحملان قيم الإسلام وعزته مع فصاحة اللسان العربي وبيانه.