الديمقراطية فى موريتانيا كانت إجهاضا للوعي الثوري

كانت محنة الديمقراطية إجهاضا للوعي الثوري، ومشاريع الإصلاح الوطنية في مراحل تشكلها السري..
فحططنا يوم ظهورها قدورنا عن النار قبل أن تنضج موائدنا، وجرفنا حقولنا خضراء قبل أن تستحصد، وقتلنا صبايا سنابلها العذراء ولم يعرف الأتراب من ثُديِّها حجما..
فطغى قطبا الموالاة والمعارضة على حياتنا السياسية الجديدة..ورسخ أباطرة الأنظمة المختلفة في نفوس الناس أن نقد الحكم، والحديث عن حياة الضعفاء، والفساد، وسوء التسيير، أصوات أصحاب القلوب السوداء..
 فوجدنا أنفسنا بدون تمهيد ننخلع من جلابيب المثالية، ونتخلى عن إيماننا الصحيح بالمبادئ، والثوابت، والقيم، وندخل جوقة المسرح الجديد مع المهرجين، والمثليين الفكريين..ولمع نجم المستمرئين من الرجال الذين صنعتهم مواسم التفاهة والانحطاط.

استقال الشعراء، والكتاب، والمثقفون، وأخذت الشعر سِنة، ثم نوم عميق يوم ظهر شعراء القصر، وجاؤوا بغرض شعري جديد هو تعداد الإنجازات.. 
تلقف الناس ديوان البيعة لمعاوية..حوصر الرجل بين أمواج الطوفان المتدفق -كما ينفلت الماء من أفواه القرب- بمحو الأمية، ودور الكتاب، والمعرفة للجميع، والتمكين للمرأة، وتفقد أحوال الرعية..

ومنذ عصر البيعة تلك أصبح نادرا أن نسمع شاعرا كبيرا، أو كاتبا مشهورا، أو أديبا ذائع الصيت، أو مثقفا معروفا، يكتب وينشر للوطن، ويتحدث عن قضاياه، فلا حديث عن الفقر ومعاناة البائسين، ولا عن ارتفاع الأسعار، ولا فساد التعليم، وظواهر الغبن، والتهميش، والفساد..وتصدر التافهين..أما الحديث عن التزوير في الانتخابات، واغتصاب آراء الأغبياء، وشراء الذمم فهو الخطر الذي تراه النخب الوطنية مفضيا إلى قطع البلاعيم..
بقيت إذن مشاكل الأمة، وأوجاع الوطن رهينة مقتطفات، وأحيانا مختطفات خبرية غير مقصودة لذاتها، يتصيد بها الأدعياء منافع السبق، تظهر في بعض مواقعنا الالكترونية، أو على صفحات صغار المدونين، ومهمشي القارة الزرقاء..
حوَّل الخوف من التصنيف في لائحة المبعدين، وقائمة المغضوب عليهم، والضالين عن سببل الحاكمين، والطمع في التسمية، والترقية، وتوصيل مِعَدِنا ببالوعات التسمين، حول كل هذا بعضنا إلى مخبرين سريين، وصارت بعض كتاباتنا تقارير تتزاحم على بريد أبي سفيان..

خميس, 20/03/2025 - 02:18