لقد تعودنا في هذه البلاد على الفوضى والتسيب الإداري وانتهاك القوانين، ويتساوى في ذلك الموظف السامي والمواطن العادي؛ المتعلم والأمي؛ الغني والفقير؛ الشيخ الطاعن في السن والطفل الصغير.
لم يعد الأمر بالنسبة لنا مجرد تعود أو تعايش مع الفوضى والفساد وانتهاك القوانين، بل وصل إلى مستوى قلب القيم والمفاهيم، فأصبحت الفوضى وممارسة الفساد وانتهاك القوانين من القيم الفاضلة، أما النظام والشفافية في التسيير واحترام القانون فأصبحت مظاهر مشينة، وينظر إلى القلة المتمسكة بها بنظرة دونية!
في مجتمع كهذا لا يمكن أن نتحدث عن أي إصلاح ولا أي تنمية ولا أي تغيير من دون أن تكون هناك سياسة عقابية صارمة ورادعة. فالعقوبات القاسية هي التي ستوقظ هذا المجتمع، وهي التي ستوقف هذا الانقلاب الحاصل في القيم، والذي جعل من الرذيلة فضيلة ومن الفضيلة رذيلة.
لقد كان من الطبيعي جدا، ونحن نعيش انقلابا في القيم منذ عقود، أن نستيقظ ـ أو على الأصح ـ أن ننام على الفضيحة الكبرى المتعلقة بتسريب نتائج باكالوريا 2020.
من الراجح جدا أننا سنستيقظ غدا أو بعد غد على فضيحة أخرى أكبر إذا ما تم التعامل مع هذه الفضيحة بنفس الأسلوب الذي تم التعامل به مع أخواتها السابقات، والمؤسف أن بوادر التساهل مع هذه الفضيحة قد ظهرت مع البيان الباهت الذي أصدرته الوزارة. لم نسمع عن إقالة فورية ولا عن استقالة فورية، كلما سمعنا حتى الآن هو مجرد عبارات باهتة جاءت في بيان باهت.
منذ عقدين من الزمن، ونحن نعيش مثل هذا الفضائح، وأخطر ما في الأمر أن تلك الفضائح شكلت سلما للتكريم والترقية لمرتكبيها بدلا من العقاب، ولكم في بعض من يتولون اليوم تسيير بعض المشاريع الهامة أو يترأسون مجالس إدارات خبر دليل على ذلك.
كيف لا تتكرر مثل هذه الفضائح في مجتمع قلب القيم رأسا على عقب حتى أصبحت الفضيلة رذيلة والرذيلة فضيلة؟
كيف لا تتكرر مثل هذه الفضائح بعد أن أصبحت تشكل في واقع الأمر طريقا سالكا للترقية في مجال الوظيفة؟
نعم لقد عشنا في العقود الأخيرة فضائح كبيرة من هذا من النوع، ولكن مما يزيد من خطورة الفضيحة الأخيرة أنها جاءت في بداية عهد جديد، وأن صاحب الموقع الذي نشر النتائج تحدث عن عملية شراء للنتائج بثمن بخس، فهل نحن أمام فضيحة من سلسلة الفضائح التي عرفناها سابقا، أم أن هذه الفضيحة الأخيرة تمتاز عن غيرها من الفضائح التي سبقتها لكونها تشكل عملا مدبرا لإرباك النظام القائم؟
لا يمكن أن نستبعد نهائيا هذه الفرضية الأخيرة، خاصة إذا ما ربطنا هذه الفضيحة بأحداث أخرى سبقتها تسير في نفس الاتجاه.
ومهما يكن من أمر، فإن الدرس الذي يجب أن يأخذ من هذه الفضيحة الأخيرة هو أنه لم يعد من المقبول أبدا التساهل مع هذا النوع من الفضائح والجرائم، ولابد من مواجهته بعقوبات مغلظة وصارمة، خاصة وأن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني كان قد أعطى صلاحيات واسعة للوزراء ولكبار الموظفين، وهو ما يستوجب منه أن يقيلهم إذا ما فشلوا في تأدية مهامهم، ويعاقبهم عقوبة مغلظة إن هم ارتكبوا أخطاء فادحة، وإلا فإن منح الصلاحيات الواسعة للوزراء ولكبار الموظفين سيتحول إلى أمر سلبي، وسيأتي بنتائج سيئة، وسيزيد بالتالي من حجم الفوضى والتسيب الإداري وانتهاك القانون التي كنا وما نزال نعاني منها في هذه البلاد.
يمكنني أن أقول بوصفي أحد متابعي الشأن العام، ومن المهتمين كثيرا بنجاح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في مأموريته الأولى، يمكنني أن أقول ـ وبكل اطمئنان ـ بأن العقوبة على ارتكاب الأخطاء قد غابت تماما في السنة الأولى من هذه المأمورية، وهو الشيء الذي سيعيق ـ وبكل تأكيد ـ أي عملية إصلاح.
لابد للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ، وخاصة من بعد أن دخل في سنته الثانية من مأموريته الأولى، أن يطلق سياسة عقابية رادعة ضد أي موظف يرتكب خطأ فادحا، ويتأكد الأمر بالنسبة لمن سرب نتائج الباكالوريا، أو اكتتب موظفين بطرق غير شفافة، أو مارس فسادا من أي نوع، وبدون هذه السياسة العقابية الرادعة، فسيكون من المستحيل تحقيق أي إصلاح أو تنمية في هذه البلاد المتعطشة للإصلاح والتنمية.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل