
انتظمت صباح اليوم الأربعاء 12 فبراير بقاعة الأنشطة لبيت الشّعر-نواكشوط الندوة النّقديّة المنعقدة تحت عنوان " القصيدة الموريتانيّة المعاصرة: بين الأصالة والتّجديد" ضمن الفعّاليّات المتواصلة للدّورة العاشرة من مهرجان نواكشوط للشّعر العربيّ احتفاء بالقصيدة العربيّة الحديثة وكتّابها في موريتانيا، واستضافت النّدوة خمسة دكاترة هم: ببّهاء بدّيوه، محمد الحسن محمّد المصطفى، محمد محفوظ، الحسن محمد محمود، محمد الأمين الشّيخ أحمد، وقد أدار الجلسة الدّكتور ابّوه ولد بلبلّاه الّذي قدّمها بلمحة نقديّة موجزة تعرِض للقصيدة العربيّة المعاصرة وتطوّراتها المدرسيّة واستقبال السّاحة الثّقافيّة لها.
وافتتحت المحاضرات مع الدّكتور ببّهاء بديّوه وهو ناقد وشاعر ومحرّر ومترجم من مواليد 1966، حاصل على عدّة شهادات علمية عالية من أبرزها دكتوراه السّلك الثّالث في الدّراسات اللّغويّة من جامعة القاهرة عام 1997، شغل عدّة وظائف علميّة وطنيّا ودوليّا، كما عمل أستاذا جامعيّا بعديد المؤسّسات العليا، شارك في نشاطات وندوات عدّة بارزة، عضو فاعل في عديد المؤسّسات الأدبيّة والهيئات الثقافيّة الوطنيّة، يعمل حاليا بمجلس اللّسان العربيّ بموريتانيا، نشر عدّة أعمال أدبيّة وعلميّة من أهمّها: "أنشودة الدّم والسّنا" و "نشيد الضّفاف" ثمّ "يراودنا ما نريد" عن دائرة الثّقافة بالشّارقة، وما يزال لديه بعض الأعمال الفكريّة الجاهزة لم تنشر بعد مثل: "من اللغة إلى الشعر: بحث في علاقة النظام اللغوي بالنّظام العروضيّ بنية ونشأة وتطوّرا"، وتطرّق في محاضرته المتحدّثة عن " لغة الشّعر الموريتانيّ الحديث: إرث البادية وأثر الحداثة"، واصفا القصيدة المعاصرة في موريتانيا بسهولة الاستجابة للحداثة نتيجة لمناسبة السّياق الأدبيّ الموريتانيّ لها لأسباب من أبرزها عدم شهود الشّعر العربيّ في موريتانيا لفتور مرحليّ على غرار نظيره في المشرق العربيّ، وللاهتمام البالغ الّذي أولته الذّائقة للتّطوّر، إذ ظلّت المطالبة بالتّحديث أو الإبداع حاضرة في ذهنيّة الشّعراء منذ القرن التّاسع عشر حتّى مجيء الحداثة.
فيما تدخل ثانيا محمد الحسن ولد محمد المصطفى وهو مدير مدرسة دكتوراه الآداب والعلوم الإنسانيّة 2017 - 2019، منسّق دكتوراه اللغة العربيّة وآدابها 2013- 2017، رئيس جمعية الأدب الموريتانيّ، عضو وحدة بحث الخليل بن أحمد الفراهيديّ للدّراسات النّقديّة واللغويّة، مندوب معجم البابطين للشّعراء العرب بموريتانيا من 1998-2004، عضو الاتحاد العامّ للأدباء والكتّاب العرب، حاصل على دكتوراه دولة في الآداب من جامعة القاهرة 2006، صدرت له مجموعة من الأعمال النقديّة أهمّها: "فصول في النّقد العربيّ المعاصر" عن دار الجديد الثّقافيّ/نواكشوط 2021، "النّقد الأدبيّ في موريتانيا: القضايا والمناهج" عن مطبعة أفضل الحلول للطّباعة والنّشر 2021، "النّصّ والنّقد والتّلقّي؛ دراسة في أبرز إشكاليات الشّعر الموريتانيّ خلال ثلاثة قرون عن دار الجديد الثّقافيّ/نواكشوط 2019، "الشّعر العربيّ الحديث في موريتانيا؛ الشّارقة/2004.
وأشار إلى أنّ مفهومي الأصالة والتّجديد يتقاطعان مع مفهومي الأصالة والمعاصرة ومفهومي التّقليد والإبداع أحيانا في الحقول الدّلاليّة وتتمايز أحايين أخرى ممّا يستدعي ضرورة تحديد القصديّة ضمن السّياق المنزّلة فيه، معتبرا أنّ الأصالة والتّجديد في الشّعر عموما والشعر العربيّ الموريتانيّ المعاصر خصوصا وعلاقتهما بالوقائع النصّية، والتحوّلات الزمنيّة لم تتشكّل وفق تسلسل تطوّريّ تاريخيّ آليّ، معتبرا أنّ الأصالة لا ترتبط بالقديم بالضّرورة، وأنّ التّجديد لا يتلازم مع المعاصرة على نحو لافكاك منه ، كما أنّه ليس صحيحا أن لا حظّ للشّعر الإحيائيّ أو التّقليدي من الإبداع.
وتواصلت المحاضرات مع الدّكتور محمّد ولد محفوظ وهو كاتب وباحث من مواليد 1968، حاصل على الدّكتورا في المناهج النّقديّة الحديثة من جامعة ابن طفيل بالقنيطرة المغربيّة، أستاذ متعاون مع جامعة نواكشوط العصريّة، عضو فاعل في عدّة هيئات ومؤسّسات ثقافيّة وأدبيّة، عضو محكّم في اللّجنة النقديّة لمسابقة "شاعر الرّسول" الرّسميّة، نشرت له عدّة أعمال من أبرزها: "المسرح الشّعريّ العربيّ ومناهج النّقد الأدبيّ والفنّيّ: من تقنيّات النّصّ إلى مقاربات المناهج "، "تداخل المذاهب الأدبيّة في الشّعر العربيّ" ومقالات علميّة كثيرة في عديد المجلّات والجرائد العربيّة من أهمّها: "وضعيّة الأدب الحديث في موريتانيا"، "شعريّة الاستعارة في مئذنة البوح"، "الشّعر الموريتانيّ الحديث والتّراث اتّصال أم انفصال؟" ، "أزمة المسرح ونقده في موريتانيا".
وقد ألمح في ورقته إلى مكانة الشّعر ضمن الثّقافة الموريتانيّة العامّة وارتباطه بالهُويّة وحضوره الفاعل في الحياة المعاصرة، متطرّقا إلى إشكال تعامل القصيدة العربيّة الموريتانيّة المعاصرة مع البنية الإيقاعّية بين ثنائية الاحتكام للتّراث وإكراهات الانفتاح، راصدا البنية الإيقاعيّة للقصيدة التقليديّة، وثورة الإيقاع في الشّعر الحرّ، متناولا شعريّة الإيقاع الداخليّ للقصيدة المنثورة؛ هذا مع الاعتناء بنماذج أخرى تجلّت فيها مظاهر المزاوجة الموسيقيّة بين الالتزام بصرامة الوزن وتكسير بنية الإيقاع الخليليّ، معلّلا ذلك بتأثيرات السّياقات الثقافيّة والاجتماعيّة انطلاقا من أثر التّراث والبيئة الصحراويّة والثّقافة البدويّة، مرورا بالتحوّلات الاجتماعيّة والسياسيّة، وصولا إلى التّفاعل مع الشّعر العربيّ والعالميّ المعاصر ودور المنتديات الأدبيّة والإعلام والوسائط الاجتماعيّة في تشكيل الإيقاع الجديد، موازنا بين الإيقاع الشعريّ الموريتانيّ المعاصر وبين الحفاظ على الهُوية والانفتاح على الإبداع.
فيما تحدّث الدّكتور الحسن ولد محمد محمود وهو كاتب وشاعر وباحث، حاصل على الإجازة في اللّغة العربيّة وآدابها 1992، وشهادة "الكفاءة التّدريسيّة في التّعليم الثّانويّ"، نال "دكتوراه في النّصّ والمناهج"، نشرت له عدّة بحوث هي: "النّظريّة الشعريّة عند نقّاد القرنين الرّابع الهجريّ"، "الوظيفة الإفهاميّة عند نقّاد القرنين الرّابع والخامس الهجريين"، "المقاربات الوظيفيّة في النّقد العربيّ القديم؛ بحث دكتوراه" ، "الشّعريّة والنّقد العربيّ" ، "الخطاب بين الدّرس البلاغيّ العربيّ واللّسانيات"، "البلاغة العربيّة وطبيعة النّصّ"، "السّرد الحديث في موريتانيا والنّصّ العربيّ"، قائلا إنّه: <<وبالرغم من أنّ القصيدة العربيّة المعاصرة صدمت الذّوق الشّعريّ الموريتانيّ ذا الثّقافة المحظريّة الشفاهيّة، إلا أنّه أخذ يتمدّد وتكثر قصائده في الأوساط الشبابيّة، فلا يكاد ديوان شعريّ يتمحّض لهذا النّمط الشعريّ>>، معربا
أنّه بالنّظر إلى المقاربات النقديّة الجديدة، فقد انتهت تلك الثنائيّات حول مسألة الأصالة والمعاصرة؛ لأن الشّعر الكامل هو الذي يستطيع أن يستوعب بنيات مختلفة ممّا خلق طبقة شعريّة من الشّباب ما بعد القرن الحادي والعشرين.
واختتمت النّدوة مع الدكتور الحسن محمد الأمين وهو باحث وشاعر وإطار تربويّ له مساهمات في النّقد وتحليل الخطاب، حاصل على الدّكتورا من جامعة محمّد الخامس في الأدب والنّقد الحديث، يعمل أستاذا في المدرسة العليا للتّعليم من أعماله: "تحليل الخطاب الشّعريّ بين بعده الجماليّ وسياقه الإعلاميّ" ، "ديناريّة المتنبّي ببن التّراث والحداثة"، وقد أشار في كلمته المتطرّقة إلى "التّيمات الفلسفيّة في القصيدة الموريتانيّة المعاصرة" لكيفيّة تعامل الشّعراء الموريتانيّين مع هذه القضايا من خلال أدواتهم الشعريّة، مشيرا إلى أنّ استثمار التّساؤل الوجوديّ جاء ضمن سياقات تاريخيّة من عمر التّحوّلات الاجتماعيّة التي عايشها المجتمع المنتقل من حالة البداوة إلى المدنيّة، ومن الحريّة إلى السّلطة، وظهور فلسفات الحداثة مكتملة النّضوج على الخطّ الفكريّ للكتّاب ممّا سبّب موجة من التّلاقحات والتّجاذبات أضفت على القصيدة طوابع ذات سمات متشكّلة من هويّات معرفيّة متباينة.
وانتهت الأصبوحة بصور تذكاريّة جماعيّة مع مدير بيت الشّعر-نواكشوط وضيوف النّدوة كما وقّع على هامشها الشّاعر محمّد بن مولود ديوانه "عبق الفجر" الصّادر عن دائرة الثّقافة بالشّارقة لهذا العام 2025 وسط جمع من الطّلبة والشّعراء، قد حضر النّدوة جمهور متنوّع الخلفيّات المعرفيّة والأعمار من متذوّقي الأدب والجمال وروّاد الشّعر والكتابة وطيف من الأكاديميّين والدّكاترة الجامعيّين والصّحافة، منتهية باستراحة قهوة وشاي ببهو بيت الشّعر تخلّلتها لقاءات تعارفيّة وتواصليّة بين الشّعراء وجمهورهم.