الوطن بين نفوذ القبيلة و نفاذ القانون 

تشهد الساحة الوطنية من حين لآخر تصاعدا غير مسبوق في إتجاه الإهتمام بقضايا مصالح القبيلة الضيقة و الإبتعاد عن الهم الوطني العام .
في زمن راجت فيه خطابات الكراهية و التحريض علي العنف و الترويج للشرائحية علي نطاق واسع. 
في ضوء ما نشهده من إستباحة للتجمعات القبيلة و الولائم و اللقاءات المعلنة و غير مرخصة ، و التي تتدخل بكل شاردة و واردة من شؤون البلاد و العباد بقوة نفوذ قادة القبائل و المال و الأعمال. 
رغم نفاذ قرار الحظر بشأنها علي المستوي الوطني .

مما ساهم بشكل أو بآخر في العودة القوية للدور المتعاظم للقبيلة في إذكاء العصبية و إثارة النعرات الضارة التي تعيق نهوض و تقدم الوطن .
و تدفع الناس إلي نصرة الظالم علي المظلوم دون الإحتكام إلي القضاء الوطني .
و التي قد تتطور إلي ملاسنات فظة علي صفحات التخاصم الإجتماعي. 
أو تتنهي بصراعات يسيل فيها دم الإخوة  من أبناء الوطن الواحد جعلت منهم القبيلة ألد الأعداء .
و هو ما يعد خروجا صريحا علي دولة القانون و المواطنة يقوض مفهوم و هيبة الدولة .
قد يشكل خطرا حقيقيا علي السلم الإجتماعي و التعايش الأهلي و الإستقرار السياسي .
إذ لا يختلف إثنان علي أن القبيلة هي نقيض الدولة و إن الولاء للقبيلة بدل الوطن يلغي مفهوم الوطن .
و عليه فإن القبيلة بالمفهوم السياسي تشكل عائقا أمام بناء دولة المواطنة الحديثة التي تستند إلي الشرعية و المواطنة و الكفاءة و هي القيم التي تناقض أعراف و تقاليد و عادات القبيلة القائمة علي القرابة و الولاء و الإتباع و العصبية و الإنحياز .
في حين يجمع كل المحللين و المراقبين علي أن إتساع نفوذ القبيلة لم يكن وليد اللحظة بقدر ما هو إمتداد لمسار طويل من الممارسة السياسية الخاطئة منذ إنطلاق العهد الديمقراطي. 
و نتيجة حتمية للتراخي و التمايز في تطبيق القانون و لغياب العدالة الإجتماعية و لظهور علامات الثراء الفاحش غير شرعي دون مساءلة و انتشار الفساد في كل تجلياته .
حيث تعد القبيلة بيئة مناسبة و محمية و حاضنة للفساد .
 ظروف كرست للحكم الأحادي في المراحل السابقة و إعلاء صوت القبيلة علي حساب صوت الوطن .
أسست لمرحلة جديدة من التعاطي الديمقراطي السلبي .
خدم الأنظمة الحاكمة المتعاقبة و زاد من حالات الظلم و الغبن و التهميش و إتساع الفجوة بين طبقات المجتمع .
وفر قيم مجتمعية و وطنية بديلة خاطئة أطغت علي مختلف مناحي الحياة السياسية و الإجتماعية كالنفاق السياسي و النفوذ القبلي و انتشار الفساد و سوء الإدارة و التسيير و إستغلال النفوذ. 
حيث أعتادت المواسم الإنتخابية منذ عقود سيطرة الإعتبار الشخصي و النفوذ القبلي و الجهوي في تحديد وجهة التصويت لصالح النظام الحاكم علي حساب عامل الولاء الحزبي أو الوطني. 
رغبة في التوظيف أو التوزير أو لحاجة في نفس يعقوب .
لعوامل عدة أبرزها : -

 

. غياب الوعي الوطني .
. الجشع المالي .
.إعتماد النظام الحاكم علي الأعيان والنافذين في المجتمع من أجل ضمان المقعد الإنتخابي و إستمرار الحكم .
إلا أنه في ظل غياب سياسة تشغيل ناجعة .
دأبت الأنظمة الحاكمة علي تجاوز الإلتزام بمبدأ الجدارة و الكفاءة و الإستحقاق .
و إعتماد معايير مزدوجة و سياسات إنتقائية علي مستوي التعيينات في الوظائف الحكومية أو الدبلوماسية أو المناصب العليا أو إدارة المؤسسات من قبيل القرابة و المصاهرة و إقتراحات شيخ القبيلة و مراعاة بعض التوازنات القبلية دون غيرها و الولاء الحزبي و المناطقي و المحاباة و الزبونية  أو تدوير مفسدين و هم في حالة دفع مسروقات سابقة .
كما تم تمكين أصحاب نصب و إحتيال من الإستفادة من نفس الإمتيازات و الترقيات و هم مطلبون لدي العدالة في قضايا إحتيال .
في الوقت الذي تمنح فيه الصفقات العمومية بالتراضي لرجال مال و أعمال و أصحاب نفوذ دون غيرهم من أبناء الوطن .
مما عزز من نفوذ القبيلة و كرس البعد الجهوي و قوض مفهوم الدولة .
و هو ما يعكس عجز و فشل سياسات حكوماتنا في الماضي و فساد النخبة و الأنظمة السياسية .
فهل يعقل في ظل دولة القانون و المواطنة أن يتم االإحتكام إلي القبيلة و الخوض أو التعاطي في قضايا و جرائم معروضة أمام القضاء الوطني ؟!
إن الوقوف في وجه النفس القبلي المتصاعد المنافي لمنطق الدولة الحديثة ،
يقتضي ضرورة العمل علي بناء مشروع إجتماعي إقتصادي وطتي متكامل يساهم في غرس و تطوير قيم المواطنة و حب الوطن و صون الوحدة الوطنية بما يحقق الترابط الإجتماعي في إطار الوطن الواحد و الدين الواحد و حقوق الإنسان و قوانين الدولة .
و الإلتزام بالترفع عن أكل المال العام و تغليب المصلحة العامة علي الخاصة. 
من خلال وضع إستراتيجية وطنية محكمة تهدف إلي تعميق الإنتماء الوطني وفق أصوله السليمة و الحضارية، 
تؤسس لحماية وحدته الوطنية من كل التحديات و المخاطر الداخلية و الخارجية ، حيث تعتبر الوحدة الوطنية  المرتكز الأساسي في إستقرار الدول و نمائها و التي يقوم عليها البناء الوطني السليم .
و بالتالي يشكل هدف التنمية السياسية و غايتها الأولي. 
صحيح أن أهداف ترسيخ و تعزيز مفهوم القيم لا تتحقق بمجرد تسطيرها و إدراجها ضمن الوثائق الرسمية بل يستوجب ترجمتها إلي إجراءات فعلية و عملية .
و أن المرحلة الراهنة تتطلب أكثر من أي وقت مضي إرادة جادة و صادقة في إحداث التغيير المنشود عبر إرساء سياسات إصلاح ناجحة و عدالة تذوب فيها الفوارق الإجتماعية و تقسيم عادل للثروة في ظل تكافؤ فرص تزول فيها حالات الظلم و الغبن و التهميش و الإقصاء . 
تتحقق خلالها تنمية مستدامة تتيح معيار مقبول للعيش الكريم .
و تعمل علي تعزيز دولة القانون و المؤسسات و تطوير و إصلاح المنظومة القضائية و العدلية من أجل ترسيخ قضاء مهني عادل معزز لدولة القانون و المواطنة و مصدر طمأنينة للجميع .
تجسيدا لما قاله فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني. 
في إطار إشرافه علي إفتتاح أشغال المنتديات العامة حول العدالة بقصر المؤتمرات أنذاك ، و التي تم التوافق علي مخرجاتها في شكل وثيقة وطنية لإصلاح و تطوير العدالة تم رفعها إلي رئاسة الجمهورية .
مازال أهل الإختصاص من قطاع العدالة في أمس الحاجة إليها في انتظار الشروع في تنفيذها علي أرض الواقع .
حيث قال : ( أن ليس ثمة ما هو أكثر تأثيرا و محورية في حياة الفرد و المجتمع من عمل القضاء بوصفه أساس الوحدة الوطنية و اللحمة الإجتماعية ) .
كما أن القضاء العادل يعتبر رافعة أساسية في كل مخطط تنموي و مصدر لجلب الإستثمار .
ففي شأن العدالة سأل رئيس الوزراء البريطاني الراحل و تسون أتشرشل 
أحد مستشاريه عن حال القضاء في بلاده  إبان الحرب العالمية الثانية بعد أن دمرت البني التحتية و وصل الإقتصاد البريطاني إلي الحضيض فأجابوه بخير. 
فقال مقولته الشهيرة( طالما العدالة و القضاء بخير فكل البلاد بخير  ) .
كما ذهب إبن خلدون إلي القول : ( إن العدل أساس العمران و الظلم مؤذن بالخراب ) .
، فالعدل هو المنطلق لقيام الدولة و عمرانها .
ولا يأتي العمران إلا بإستقامة العدل و رفع الظلم عن الناس حتي يطمئنوا علي أنفسهم و حقوقهم و ممتلكاتهم .
فإلي متي ستظل الدولة رهينة لأطماع القبائل و الأشخاص ؟
بالتأكيد الوطن سيبقي إن شاء الله و تتلاشي الأطماع و تتواري الأشخاص و القبائل !

حفظ الله موريتانيا
 

 اباي ولد اداعة

اثنين, 03/02/2025 - 09:16