* قضية تتعلق بشكاية تقدم بها قاض ضدّ أحد ضباط الجيش الوطني وفيها حركت النيابة العامة الدعوى العمومية ضدّ المشكو منه إلاّ أنّها لم تجد تجاوبا من السلطة التنفيذية في الموضوع فلم يسلّم الجيش المشكو منه إلاّ بعد ما يناهز: 15 يوما من المطالبة بذلك وبعد التفاف السلطة القضائية وإخوانها كتاب الضبط والمحامين ... في التنديد بالحادث
الفقرة الثانية: جهود البرلمان المتعلقة بالقضاء
من المعروف أنّ البرلمانات تلعب أدوارا أساسية في المجتمعات الحديثة خاصة تلك التي اعتمدت نظاما سياسيا مشابها لنظامنا وامتدادا لذلك للبرلمان في موريتانيا كثير من الصلاحيات من بينها:
1ـ أنّ له اقتراح القوانين تطبيقا للمادة: 61 من الدستور ولفظ القوانين هنا يشمل جميع النصوص القانونية بما في ذلك تعديل الدستور ومختلف القوانين النظامية والعادية واستخدم بعض نوابالبرلمان في موريتانيا هذه الصلاحيات عندما أرادوا فتح المأموريات الرئاسية حيث قام بعضهم بجمع التوقيعات الهادفة إلى ذلك كما أنّهم تقدموا قبل أشهر قليلة باقتراح تعديل القانون النظامي رقم: 2008/ 021 المنظم لمحكمة العدل السامية
2ـ من المعروف أنّ للبرلمان أن يطلب من الحكومة تقديم إيضاحات حول تسييرها للشأن العام وهي ملزمة بتقديم ما يطلب منها من إيضاحات تطبيقا للمادة: 72 من الدستور كما أنّ له أن يسقط الحكومة تطبيقا للمادة: 75 من الدستور ويكون إسقاطها مبرّرا متى كان تسييرها للشأن العام يمس بالمصلحة العامة للبلد
3ـ للبرلمان أن يتهم رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى متى قام هذا الأخير بانتهاك القواعد الدستورية الأساسية بشكل يمس بالمصالح العليا للمجتمع Dmitri Georges Lavroff op. cit. p. 414
ولأنّ استقلال القضاء هو الأداة الأساسية لحماية الحريات الفردية ... وبالتالي صيانة السكينة والسلم والاستقرار داخل المجتمع فيمكن للبرلمان اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى عند المساس باستقلال القضاء بشكل خطير ومحاكمته بسبب ذلك
4 ـ بالإضافة إلى ما سبق فإنّ البرلمان في موريتانيا أصبح في الفترة الأخيرة يشكل لجان تحقيق في بعض المواضيع التي يعتبرها ذات أهمية وطنية وتصدر هذه اللجان توصيات بشأن ضرورة اتخاذ إجراءات في المجال التي كانت تحقّق فيه ....
ورغم أهميّة استقلال القضاء وكونه ضرورة ملحة للحيلولة دون نسف استقرار البلد الذي تشي الحملات التي تشهدها الساحة منذ فترة بأنّه يسير بخطى واثقة إلى هزة كبيرة لا يمكن التنبؤ بآثارها ما لم تتم مواجهة تلك الحملات وما يذهب البعض إلى أنّه دوافعها بأمور ملموسة من أهمّها تعزيز استقلال القضاء ورغم كلّ ذلك وخطورة الوضع فإنّ البرلمان في موريتانيا حسب علمي المتواضع لم يستخدم أيّا من صلاحياته السابقة من أجل تعزيز استقلال القضاء أو الدفاع عنه ويتضح ذلك من خلال:
* أنّ أيّ فريق برلماني لم يقدم مقترحا لتعديل النظام الأساسي للقضاء الذي عرضنا أعلاه أنّه لا يوفر للقاضي متطلبات الاستقلال انطلاقا من المعايير الدولية لاستقلال القضاء هذا مع الإشارة إلى أنّ بعض النواب تقدموا بمقترحات قوانين تتعلق بمجالات أقلّ شأنا بالنسبة لي على الأقل من استقلال القضاء وذلك مثل مقترح تعديل القانون النظامي رقم: 2008/ 021 المنظم لمحكمة العدل السامية ويشار إلى أنّ هذا القانون كان في معظمه على درجة معينة من الجودة بالنسبة لي على الأقل وخارج تشكلة المحكمة لا يشكل تعديله مسألة ملحة وتمكن مراجعته في عدد الجريدة الرسمية رقم: 1169 الصادر بتاريخ: 15 يونيو 2008 للتأكد من ذلك ويشار إلى أنّ محكمة العدل السامية لم تشكل في بعض البلدان أبدا رغم مشابهة دساتيرها لدستورنا
* لم أسمع أنّ البرلمان أسقط حكومة بسب تطاول بعض أفرادها على السلطة القضائية أو انتهاكهم لمبدإ فصل السلطات رغم أنّ هذه الأمور حدثت
* لم تشكل من طرف البرلمان أيّ لجنة للتحقيق في الأمور التي أدّت بالدفع بالقضاء نحو ما هو فيه من مشاكل جمة هذا مع أنّه شكل لجنة للتحقيق في أمور أظنها أقلّ أهميّة من استقلال القضاء ....
* لم يشكل حتى الآن أيّ نواب من الجمعية الوطنية فريقا للدفاع عن استقلال القضاء هذا مع الإشارة إلى أنّهم شكلوا فرقا للدفاع عن مواضيع ليست أكثر أهمية من استقلال القضاء
هذا مع الإشارة إلى أنّ بعض النواب ينتقد القضاء ويتهمه بعدم الاستقلال ومع اعترافي بحقّ النواب في إبداء الرأي في مختلف المواضيع فإنّ المتلقي يمكن أن يأخذ عليهم عدم انخراطهم بشكل فعّال في الدفاع عن استقلال القضاء الذي هو الأداة الوحيدة لحماية حرياتهم هم وناخبوهم
الفقرة الثالثة: الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني
تلعب الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع دورا بارزا في حياة المجتمعات الحديثة ذلك أنّ من أنشطتها العمل على نشر الوعي وترقية ثقافة دولة المؤسسات وزرع وتجذير الإيمان بقيم دولة القانون ومختلف مفاهيم حقوق الإنسان والدفاع عنها وصيانتها وإبراز أهمية مواضيع معينة وحشد الرأي العام لتأييد اتخاذ إجراءات معينة بشأنها ولأنّ موضوعا كهذا لا يتسع لعرض جميع أنشطة هذه المنظمات بشأن القضاء فساستعرض بعضه باعتباره أمثلة وذلك على النحو التالي:
ـ الأحزاب السياسية: لم أسمع أنّ أيّ حزب سياسي قام بنشاط سياسي فعال يستهدف من خلاله العمل على استقلال القضاء أو تحسين تكوين القضاة أو تعزيز الثقة في السلطة القضائية أو زيادة مخصصات وزارة العدل من الميزانية هذا باستثناء ما قامت به بعض الأحزاب المعارضة في السنوات الماضية في إطار حوار مع الأغلبية من العمل على تعديل للنظام الأساسي للقضاء لكن هذا التعديل لم ير النور حتى الآن ولم تقم هذه الأحزاب بمواجهة النظام حينها من أجل تعديله وعلى العكس من ذلك تطالعنا بعض الأحزاب ببيانات تصف فيها القضاء بأوصاف لا أظنّها تعزّز الثقة فيه ومن ذلك بيان صادر عن حزب تكتل القوى الديمقراطية بتاريخ: 13/ 11/ 2017 وصف فيه القضاء بأنّه مدجن ونشر موقع الطواري نسخة منه بتاريخ:14/ 11/ 2017 ويشار إلى أن حزب التكتل حينها كان من أكبر أحزاب المعارضة وأكثرها مصداقية
ـ النقابات: إثر فتح ملف شمل بعض الزعماء النقابيين وصفت عدّة مركزيا نقابية القضاء بأنّه مستغل من طرف السلطة التنفيذية في بيان صادر عنها بتاريخ: 19 سبتمبر 2017 نشره موقع أقلام حرّة بذات التاريخ
ـ منظمات حقوق الإنسان: يلعب أكثر ما يوصف بمنظمات حقوق الإنسان دورا كبيرا في لفت انتباه الرأي العام إلى انتهاكات حقوق الإنسان من طرف مختلف الأجهزة والسلطات وعبر ذلك كثيرا ما تتهم بعض هذه المنظمات القضاء بالقيام بأخطاء فادحة ويحدث منها ذلك في بعض الأحيان بشكل أعتقد أنّه يمكن أن يساهم في تأليب الرأي العام على السلطة القضائية
وإن كنت لا أبرئ القضاء من ارتكاب الأخطاء فإنّني أظن أنّ من المناسب أن تقوم تلك الأحزاب والنقابات ومنظمات حقوق الإنسان بالتوازي مع نقدها للقضاء وبشكل متزامن معه بالضغط من أجل العمل على تعزيز استقلال القضاء وتحسين تكوين القضاة وزيادة مخصصات وزارة العدل من الميزانية وذلك لأسباب منها:
ـ أنّ استقلال القضاء يشكل أهمّ وسيلة لصيانة حقوق الإنسان
ـ أنّ معظم مآخذها على السلطة القضائية يعود في معظمه إلى عدم جودة التكوين وضعف الاستقلال
ـ الهيئة الوطنية للمحامين: يلعب المحامون في العالم دورا بارزا في المساهمة في تكريس واحترام قيم دولة القانون وتطبيق مختلف مفاهيم المحاكمة العادلة لذا فإنّهم يشكلون في كلّ الدول تقريبا رأس حربة الدفاع عن استقلال القضاء وهذا ما كانت الهيئة الوطنية للمحامين تحاول القيام به في أيام بعض نقبائها السابقين ذلك أنّها كانت تطالب باستقلال القضاء ويتطوع بعض منتسبيها للدفاع عن القضاة عندما يحالون إلى المجالس التأديبية لكنها في السنوات الأخيرة تضاءل نشاطها في هذا المجال بل إنّ القانون رقم: 2020/ 016 الذي أعدته ومرّرته عن طريق الحكومة والبرلمان الحاليين ليشكل مساسا باستقلال القضاء كما يمكن أن يضر بجوهر ما يجب أن يطبع العلاقة بين القضاة والمحامين من أخوة وتعاون
الفقرة الرابعة: أنشطة القضاة المتعلقة باستقلال القضاء
يظهر ممّا تعرضنا له أعلاه أنّ القضاء يقع بين مطرقة السلطة التنفيذية وسندان الطيف السياسي والحقوقي الأمر الذي جعل القضاة يشعرون بأنّهم مجردون من أيّ حاضنة داخلية يمكنها أن تدافع عنهم ممّا أثّر على دفاعهم عن استقلالهم وتطبيقهم للقانون بشكل لا يمكن التنبؤ بمداه ولا دائرة تأثيره ورغم ذلك ظلوا في معظم الأحيان يقومون بالنضال من أجل استقلال القضاء منفردين سواء تعلق ذلك بتطبيقهم السليم للقانون الذي يدفع بعضهم أحيانا ثمنه أو عبر بيانات تصدر عن أنديتهم ومنظماتهم المهنية أو عن أفراد منهم عند تخلف المنظمات المهنية عن القيام بالواجب ويتضح ذلك ممّا يلي:
1ـ الاستقالات: قدم بعض القضاة استقالتهم مواجهة لتعديل قانون النظام الأساسي للقضاة بموجب الأمر القانوني رقم: 2006/ 016 الذي تحدثنا أعلاه عن بعض أوجه مخالفته للدستور حيث استقال بسببه قضاة من ضمنهم:
ـ مولاي أعلي مولاي أعلي
ـ الشيخ باب أحمد
ـ أحمد إسلم
ـ محمد عمار
ـ محمد بوي الناه
وهذا القانون لم أسمع أنّ أيّ هيئة واجهته رغم خطورته سوى القضاة فلم تتكلم الهيئة الوطنية للمحامين حينها عنه هذا حسب علمي طبعا
2ـ إصدار بيانات الشجب والتنديد: عندما يتمّ انتهاك حرمة السلطة القضائية تقوم الجمعيات المهنية للقضاة بالتنديد بذلك عبر بيانات تصدرها وعند تخلفها عن ذلك لأيّ سبب يقوم به بعض أفراد القضاة بشكل منفرد ومن ذلك ما حدث حين صدر من وزير للعدل ما اعتبر حينها إهانة لبعض القضاة داخل محاكمهم وتخلفت جمعية قضاة موريتانيا عن مواجهته فقام بعض شباب القضاة بالتنديد بذلك وقدموا استقالاتهم من الجمعية وأذكر منهم هنا القضاة:
ـ محمد المصفى محمدو صدفي قاضي التحقيق بولاية آدرار
ـ عبد الله محمد سالم أحد قضاة تحقيق ولايات نواكشوط
ـ محمد الأمين باري وكيل الجمهورية بنواكشوط الشمالية ....
ويشار إلى أنّ استقالات هؤلاء دفعت وزير العدل إلى الاعتذار للقضاة المعنيين وعندما أغلق أحد وزراء العدل الباب الرئيسي لقصر العدل بنواكشوط الغربية أمام القضاة وكتاب الضبط والمحامين وأمرهم بالدخول من الباب الخلفي وبعد مضي ما يزيد على 15 يوما من الحادثة واجهه بعض شباب القضاة ببيان تنديد بتاريخ: 06/ 12/ 2013 بعده تمّ فتح الباب ليلج القضاة وأعوانهم .من الباب الواسع إلى مكاتبهم
3ـ رفض الإقالات: في سابقة من نوعها رفض القاضي السيد الغيلاني رئيس المحكمة العليا السابق إقالة رئيس الجمهورية السابق محمد عبد العزيز له قبل انتهاء مأموريته لأنّه يرى أنّها مخالفة للقانون ذلك أنّ رئيس الحكمة العليا يعين بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية لمدّة خمس سنوات طبقا للمادة:14 من ق ت ق ويمكن ألاّ ينهي هذه الفترة في منصبه نظرا لأنّ لرئيس الجمهورية إعفاءه من مهامه قبل انتهاء مأموريته طبقا للمادة:18 من ذات القانون ولأنّ ذات المادة منّ النسخة الفرنسية من قانون التنظيم القضائي تمنع إقالته قبل انتهاء مأموريته إلا بموافقتهرفض الإقالة لكنّه بعد اطلاعه فيما يبدو على النسخة العربية التي تبيح الإقالة قبل انتهاء المأمورية رضخ وذلك بعد معركة مع رئيس الجمهورية السابق تمّ تناولها بكثير من الاهتمام من طرف المهنيين والإعلام ونشير هنا إلىّ أمور منها:
* أنّ اختلاف النسخة العربية عن النسخة الفرنسية ربما يكون غير بريء لأنّ النسخة الفرنسية موجهة إلى الخارج وبالتالي يكون فيها ما يتناسب مع الالتزامات الدولية للنظام أمّا النص العربي فموجه إلى الداخل الذي لم يعرف منه حتى الآن الدفاع استقلال القضاء بشكل فعّال
* أنّ النص الفرنسي والعربي إن كان يصوت عليهما من طرف البرلمان في آن واحد فنتيجة لوجوب تفسير القانون صوب ما يعزز صيانة الحريات الفردية والعامة واستقلال القضاء يكون من اللازم اعتماد المقتضيات التي تصب في ذلك المنحى بغض النظر عن ورودها في أيّ من النصين الفرنسي والعربي وختاما لهذه النقطة أشير إلى أنّه بموجب المادة: 26 من القانون رقم: 65/ 183 الصادر بتاريخ: 26/01/ 1965 لم يكن من الممكن أن يقال رئيس المحكمة العليا قبل انتهاء مأموريته إلا بموافقة المجلس الأعلى للقضاء وأرجو ألاّ تكون مقارنة النصوص الصادرة في هذا الموضوع بعيد الاستقلال بفترة وجيزة بالنصوص الصادرة بعد ذلك تشي بأنّ المجتمع الموريتاني لا يسير باتجاه تعزيز استقلال القضاء
4 ـ الطعون: مارس القضاة طعونا من أجل مواجهة المساس باستقلال القضاء من طرف المجلس الأعلى للقضاء ذلك أنّه رغم أنّ المجلس الأعلى للقضاء هيئة دستورية تناط بها من الناحية القانونية إدارة السلطة القضائية فإنّه أصبح في السنوات الأخيرة أداة للمساس باستقلال القضاء ومخالفة القانون المتضمن النظام الأساسي للقضاء عن طريق أمور كثيرة منها:
& التحويل التعسفي للقضاة
& ترقية بعض القضاة استثنائيا على بعضهم ترقيات تجعل بإمكان قضاة متربصين أن يرأسوا زملاء لهم قضوا في المهنة ما يزيد على 20 سنة
& دمج قضاة من أسلاك أخرى في سلك القضاء بطريقة مخالفة للقانون كما حدث في الدورة الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاء
لكن أشير هنا إلى أنّ هذه الطعون لم تؤت أكلها نتيجة لأسباب متعددة ذكرنا بعضها أعلاه
المطلب الثاني: مقترحات يمكن أن يساهم اعتمادها في الرفع من أداء السلطة القضائية
رغم أنّ السلطة القضائية تعاني من كثير من المشاكل فإنّ انتشالها ممّا فيه لا يكلف سوى اتخاذ خطوات بسيطة لا تتطلب الكثير من المال ولا الوقت ويمكن أن يكون من أهمّها التدخل لتعزيز استقلال القضاة وتعديل مسطرة الاكتتاب والتعيين وتكثيف التكوين المستمر
الفقرة الأولى: النصوص القانونية
بينا أعلاه أنّ القانون المتضمن النظام الأساسي للقضاء لا يتضمن ما يوفر للقضاة الحد الأدنى من ضمانات الاستقلال وبالإضافة إلى ضرورة تعديل النصوص التي بينا أعلاه أو فهمها فهما يأخذ في الحسبان مبدأ تدرج القوانين بعين الاعتبار فإنّ من الضرورة الملحة تعديل القانون النظامي المتضمن النظام الأساسي للقضاء تعديلا يستهدف أمورا منهأ:
1ـ تعزّيز استقلال رئيس المحكمة العليا والمدعي العام لدى ذات المحكمة و المفتش العام للقضاءوالسجون ذلك أنّه لخطورة وأهمية الوظائف التي يؤدون يشكل تعزيز استقلالهم وتنظيمه عن طريق نصّ من درجة عليا وسيلة مهمة لبثّ الروح في استقلال القضاء وإعطائه دفعا مهمّا ويمكن تعزيز استقلال هؤلاء بتعديل يتضمن أمورا منها:
* النص على عدم إمكانية إقالة رئيس المحكمة العليا قبل انتهاء مأموريته ما لم تكن الإقالة بموافقته أو بموافقة أو بطلب من غالبية أعضاء المجلس الأعلى للقضاء من القضاة
* أن يكون لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء المطالبة بالتجديد لرئيس المحكمة العليا ويكون التجديد له ملزما لسلطة التعيين متى وقعت طلب التجديد غالبية أعضاء المجلس
* اشتراط موافقة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء من القضاة على تعيين رئيس المحكمة العليا والمدعي العام لدى المحكمة العليا والمفتش العام للقضاء والسجون ومنحهم حقّ المطالبة بإقالة أيّ منهم متى شجر منه ما يمكن أن يمس باستقلال القضاء أو سمعته أو هيبته
* جعل متابعة رئيس المحكمة العليا والمدعي العام لدى المحكمة العليا والمفتش العام للإدارة القضائية والسجون بالنسبة للتهم المتعلقة بارتكابهم لجرائم خلال عملهم بمناسبته أو بغيرهاخاضعة لإجازة ثلاثة أرباع أعضاء المجلس الأعلى للقضاء
ولا شكّ أنّ إضافة تعديل مثل هذا يخدم الصالح العام من عدّة أوجه منها:
& دعمه لاستقلال القضاء الواقف الذي هو المسئول عن تحريك الدعوى العمومية وتنفيذ الأحكام الجزائية ومدّ يد المساعدة في تنفيذ الأحكام المدنية وتطبيق القانون الجنائي بالمفهوم العام للكلمة على كافة التراب الوطني تطبيقا للمادة: 27- 29 من ق إ ج هذا بالإضافة إلى أنّه أعني القضاء الواقف يلعب دور المرشد المعين للقضاء المدني انطلاقا من الآراء التي يقدمها في القضايا المدنية بصفة عامة خاصة تلك التي لا يعتبر فيها طرفا
& دعمه استقلال رئيس المحكمة العليا الذي يعتبر استقلاله أمرا أساسيا نظرا لخطورة وأهمية دوره فهو رئيس غرفة مشورة المحكمة العليا ورئيس الغرف المجمعة ويمكن أن يترأس أية غرفة رأى أن يترأسها ويكون رئيسها في هذه الحالة نائبا له كلّ ذلك تطبيقا للمادة: 16 من ق ت ق ....
& دعمه لاستقلال المفتش العام للإدارة القضائية والسجون الذي يقوم بتفتيش القضاة وتوجيهم واقتراح مكافأتهم ومحاسبتهم بإحالتهم إلى المجلس التأديبي حسب المادة: 11 من المرسوم رقم: 34/ 2006 الذي يقضي بإعادة تنظيم وسير المفتشية العامة للإدارة القضائية والسجون
& لأنّ هؤلاء أعضاء استحقاقيون في تشكلة المجالس التأديبية التي يحال إليها القضاة للمحاسبة يكون دعم استقلالهم دعما لاستقلال القضاء من ناحية العمل على استقلال المجلس التأديبي وواضح من ملف فصل الزميل محمد الأمين النيني وعقوبة زملائه أنّ المجلس التأديبي بحاجة إلى أن يدعم استقلاله ذلك أنّ هؤلاء حينها هم من أشيع أنّهم صوتوا على قرار فصله لأن عضو التشكلة الرابع كان ضدّ الفصل وأحدهم هو من وجه أوامر للشرطة بأن تمنع اثنين من أعضاء التشكلة من الدخول هذا بالإضافة إلى أنّني لم أسمع أنّ المدعي العام لدى المحكمة العليا والمفتش العام عارض أيّ منهما أيّا من القرارات الخطيرة التي اتخذ المجلس الأعلى للقضاء في دوراته الماضية مهما كانت درجة مخالفتها للقانون بينما سجل لرئيس المحكمة العليا السابق رغم أنّه شاب وليس من القضاة المهنيين إشارته داخل المجلس بأنّ بعض الترقيات التي تضمن المرسوم رقم: 100/ 2016 يمكن أن تكون مخالفة للقانون ممّا يعني أنّ دعم استقلالهما أعني المدعي العام لدى المحكمة العليا والمفتش العام تتطلبه المرحلة بشكل ملح
ـ أنّه يعزز إدارة القضاء لذاته وهو أمر يتطلبه مبدأ فصل السلطات ودعم استقلال القضاء في هذه الفترة
2 ـ الاكتتاب: لا جدال في أنّ وظيفة القاضي وظيفة خطيرة ومهمة ومنذ العصور المتقدمة لا يمكن أن يتولاها إلا من يتوفر على ميزات خاصة ولا جدال في أنّ لعدم جودة التعليم وما نتج عن ذلك من ضعف المستويات وقلة انتشار الوعي وحداثة المجتمع بالتمدن آثار بادية في واقع العمل القضائي وعملا على التخفيف من عقابيل هذه الأمور وإحياءا لمبادئ تراثنا الإسلامي التي لا تسمح بتعين مستوري الحال في الوظائف القضائية وأخذا للواقع بعين الاعتبار ولغير ذلك من الأمور التي يضيق المقام عن ذكرها يجب أن يتم تعديل النظام الأساسي للقضاء بإلغاء الاكتتاب المباشر للقضاة بحيث يشترط في المترشح لممارسة وظيفة القاضي أمور من بينها:
- أن يكون كاتب ضبط رئيسي أو محاميا عمره ينقص عن خمسين ( 50 ) سنة
- أن تكون لدى المترشح تجربة خمس ( 5 ) سنوات على الأقل
- أن يكون المترشح إن كان كاتب ضبط حاصلا على إفادات بالمواظبة وحسن السلوك من رؤساء جميع المحاكم التي عمل فيها وأخرى من المصادر البشرية تفيد بأنّه عمل خمس سنوات متواصلة في المحاكم أمّا بالنسبة للمحامي فيجب أن يقدم إفادات تثبت في مجموعها أنّه رافع في 500 قضية على الأقلّ أمام مختلف المحاكم بما في ذلك المحكمة العليا هذا بالإضافة إلى إفادات بحسن السلوك وعدم التعرض لأيّ متابعة تأديبية أو جزائية يستصدرها من مكتب الهيئة الوطنية للمحامين ورئيس محكمة الاستئناف التي يعمل المحامي في دائرة اختصاصها بالتشاور مع المدعي العام بذات المحكمة هذا مع الاحتفاظ بالشروط المتعلقة بالمسابقة الكتابية ومدة التكوين داخل المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء ففي مجتمع اهتز فيه الوازع الديني ولم يتشكل فيه بعد وازع مدني قوي ويتفشى فيه الإفلات من المحاسبة عن الأخطاء المهنية يكون من المجازفة بمكان إسناد وظيفة القضاء لأشخاص من مستوري الحال قادمين مباشرة من مدارس مجمع على عدم جودة التعليم فيها وهذه المقتضيات تحقّق إضافتها أمورا مهمة منها:
* تعويض ضعف التكوين بالتجربة الميدانية
* تعمل على حثّ أعوان القضاء على التفاني في القيام بواجباتهم بإخلاص ....
3ـ تعديل مسطرة التعيين: في الدول التي ضعف فيها التأثر بأحاديث مثل: ( من ولي من أمر المسلمين شيئا فأمّر أحدا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم )و( من استعمل رجلا على عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين ) ولم يتفش فيها بعد الإيمان بقيم الجمهورية بشكل عميق يمكن أن تكون الأولوية في التعيين بها وفي الأماكن الحساسة وبالنسبة لجميع القطاعات لأشخاص يتوفرون على مميزات منها أنّهم تمكنهم مخالفة القانون لمصلحة من عينهم ويمكن أن يكون ذلك في مجال القضاء بأمور منها:
* متابعة شخص معارض بتهم لا يتوفر كثير من الأدلة على قيامه بها
* الامتناع عن متابعة موال انتهك القانون
* تجاهل قاض تحقيق لقرار من قرارات المحكمة العليا
* تنفيذ قاض لحكم ابتدائي بعد إلغاء محكمة الاستئناف له
فهذا النوع يمكن أن يحدث في العالم الثالث ويكون من يقوم به من الموظفين والقضاة هو من يحتل الصدارة في التعيينات والتكوينات ويكون نصيب المدافعين عن التطبيق السليم للقانون والدفاع عن استقلال القضاء في بعض هذه الدول التعيين في الأماكن النائية بعيدا عن الأماكن الحساسة لأن بعض أنظمة العالم الثالث لا حاجة لها في قضاء جيّد وهذا ما كان يحدث بعضه في موريتانيا في أيام الرئيس معاوية الطايع الذي كان عندما يريد تطبيق القانون في قضية معينة يعين الزميل محمد محمود سيديا سقراط أو أحد زملائه في المحكمة التي ستعرض عليها القضية وعندما يريد خلاف ذلك يعين غيرهم وبالتالي فمن الراجح أنّ سلطة التعيين لو كانت تحرص على ألاّ تعين في الأماكن الحساسة من الوظائف القضائية إلاّ القضاة المشهورين باتساع المعارف القانونية والدفاع عن استقلال القضاء والتضحية من أجل التطبيق السليم للقانون لكانت سمعة القضاء وأداؤه أكثر جودة لذا يجب أن يتم تعزيز استقلال القضاء بالإضافة إلى ما سبق بإسناد مقترحات تعيين القضاة إلى لجنة تتألف من النائب الأول لرئيس المحكمة العليا والمفتش العام للقضاء والسجون وعميد مناديب القضاة في المجلس الأعلى للقضاء وترفع مقترحاتها إلى المجلس الأعلى للمصادقة عليها أو تعديلها ولا شكّ أنّ تقرير هذا المقتضى يعزز هو الآخر إدارة القضاء لذاته كما أنّه يجعله أكثر مسئولية إزاء المجتمع
ويشار إلى أنّ جميع التعديلات التي تحدثنا بسيطة ولا تكلف خزينة الدولة سوى ثمن الأوراق والحبر ويمكن أن تتضمنها فقرة واحدة تضاف لإحدى مواد القانون المتضمن النظام الأساسي للقضاء وبالتالي يمكن لبعض النواب في الجمعية الوطنية إضافتها بمناسبة التعديل الذي أحالت إليهم الحكومة مشروعه قبل أسابيع قليلة
الفقرة الثانية: التكوين
الموظف بصفة عامة هو عقل الإدارة الذي تفكر به وذراعها التي تنفذ به سياساتها في مختلف المجالات لذلك فإنّ تكوينه تكوينا جيدا على درجة عالية من الأهمية خاصة إذا كان قاضيا وظيفته الدستورية حماية الحقوق والحريات التي تعتبر أهمّ ما يحوز الإنسان قديما وحديثا ويتضح ممّا يشاع عن عمل بعض القضاة في الإعلام وما يتعرض له القضاء من نقد على لسان بعض منظمات حقوق الإنسان أنّه بحاجة شديدة إلى التكوين المستمر وهذا ما يتضح من الأمور التالية:
ـ أنّه حسب بعض منظمات حقوق الإنسان يمكن أن تطالب النيابة العامة بمتابعة شخص بجريمة مثل الاسترقاق وتطلب له الإيداع فلا يعيد قاض التحقيق التكييف ويضع المتهم في الرقابة القضائية فتستأنف النيابة العامة قراره فيتم تأكيده من طرف غرفة الاتهام ولا تقبل فيه الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا الطعن بالنقض
ـ أنّه في قضية تتعلق بإيجار مالي يمكن أن تحجز دار أحد أطراف القضية وينفذ عليها جبرا ووجه استغرابي هنا نابع من أنّ الإيجار المالي يتعلق بمعدات تبقى على ذمة المؤسسة المالية عادة وتمكنها استعادها
ولا شك أنّ هذه الأمور راجعة كلّها إلى عدم جودة التكوين وقلة التكوين المستمر لذلك يجب أن تقوم وزارة العدل بتكوين مكثف لجميع القضاة في كلّ المجالات خاصة القضاء التجاري والجزائي وذلك على المستوى المتوسط كما يجب عليها في المدى القريب أن تقوم بتكوينهم على أمور منها:
* مفهوم خطورة الوقائع وكيفية التعامل معه
* الولوج للقضاء وكيفية العمل على تجسيده
* الحضورية وكيفية تجسيدها في مختلف المساطر
* مساواة الأطراف أمام المحكمة وكيفية تجسيدها في مختلف المساطر
* مفهوم حقوق الدفاع وطريقة المحافظة عليها في المجال المدني والجزائي
* وظائف قاضي التحقيق
* وظائف غرفة الاتهام
* مفهوم الاستعجال والقضاء الاستعجالي
* الأوامر على العرائض
* دعوى الحيازة
* قاضي التهيئة ووظائفه
* التعريف بقانون حلّ النزاعات الصغيرة ومسطرته وطرق تطبيقه
* كيفية تسبيب الأحكام والقرارات القضائية
* الاختصاص وما يثيره القاضي منه من تلقاء نفسه وما يثيره نتيجة لطلب الأطراف
* طرق التنفيذ
* الإيجار التجاري
وأشير إلى أنّ لدى وزارة العدل قضاة قادرين على تكوين زملائهم في مختلف هذه المجالات بعضهم كون كمون لصالح موريتانيا من طرف التعاون الأوربي في السنوات الماضية وبعضهم حضرت تكوينا شارك فيه وكانت مشاركته مميزة هذا مع أنّ الوزارة يمكن أن تعمل على تأليف مرشد يستعين القضاة بالاسترشاد به في هذه المجالات
انطلاقا ممّا سبق يتضح أنّنا لحماية بلدنا من الانهيار وحماية حقوقنا من المساس بها يجب علينا جميعا الانخراط في العمل على إيجاد سلطة قضائية قادرة على لعب دورها الدستوري على أكمل لأن ذلك هو طوق الحفاظ على حرياتنا ومختلف حقوقنا الأخرى كما يتضح ممّا سبق أنّ النخب والمواطنين العاديين في موريتانيا لم يبذل أيّ منها التضحيات اللازمة لإيجاد قضاء جيد وعلى درجة معينة من الاستقلال وأنّ وقت الكفاح والتضحية من أجل إيجاد قضاء مستقل وعادل قد حان
القاضي محمد ينج محمد محمود مستشار باستئنافية ألاك