يعاني ساكنة أجزاء من توجنين من دخان مصانع الحديد وتكرير المواد الكيميائية ،دون مراعات لأبسط المعايير البيئية العالمية التي تفرض على المصنعين التحكم في الانبعاثات الدخانية الضارة بالسكان ،لقد انخرطنا قبل سنة تقريبا في تصور حلول لتلك الأحياء المكتظة بالسكان الذين يعانون هشاشة اقتصادية تمنعهم من النزوح عن منازلهم التي بنوها بشق الأنفس ،حاولنا زيارة المصانع للحديث مع مالكيها عن التقنيات الحديثة اللازمة لخفض الانبعاثات ،فراسلناهم بطلبات لقاء قمنا بتسليمها لهم مباشرة ،لكن الرفض و الهروب كانا حاضرين, سلمنا طلبنا لأحد الحراس ليغيب عنا دقائق ويعود قائلا ان المدير غير موجود وسيتواصل معكم، في اليوم التالي اتصل علينا المدير من واتساب عليه شعار المصنع المذكور وقال لي سأتصل بكم وتنتهي القضية عنده هنا.هدفنا من للقاء معهم هو الوقوف معهم على الإجراءات التي تلزم لوقف الأذى عن ساكنة وُجدت بسنوات قبل الترخيص لهذه المصانع ،للأسف يحدث هذا بالرغم من أن السلطات المحلية على علم بالتظلمات والشكاوي التي تصلها ليلا ونهارا ،سرا وإعلانا وإن كانت لا تحتاج إلى دليل فالمار على طريق المقاومة الرابط بين ولاية نواكشوط الشمالية و توجنين لابد أن يغلق أنفه نتيجة الدخان الذي لا يحترم المعايير الدولية التي تنص على أن من حقوق الإنسان الأساسية :الأمن الذي يشمل أمنه الصحي والغذائي والبيئي جاء ذالك في أعقاب مؤتمر السلام الدولي عام 1994 وأقرته الأمم المتحدة في قوانينها.
اليوم ونحن نستعد لتوديع عام واستقبال اخر جديد نتمنى أن يحمل في طياته حلا قريبا لرفع الأذى عن ساكنة مغلوب على أمرها، ليس لها حق في تنفس هواء جيد وغير ملوث، ندعو هنا السلطات العليا في البلد لتدارس قضية تلويث البيئة وخاصة أن السلطات لا تفوتها المؤتمرات الدولية التي تناقش التلوث والانبعاثات وسبل مواجهتهم.
يحتوي دخان المصانع على غازات سامة مثل ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والكبريت، مما يسبب تدهور جودة الهواء يؤدي إلى زيادة تركيز الغازات الدفيئة، مما يعزز ظاهرة الاحتباس الحراري، كما أن استنشاق الهواء الملوث يؤدي إلى مشاكل تنفسية وأمراض رئوية لدى الإنسان والحيوان.
الجسيمات الدقيقة والملوثات الكيميائية المتساقطة من الدخان تصل إلى المياه، مما يؤدي إلى تلوث البحيرات والأنهار. وفى حالتنا فان هذه الجزيئات قد تدخل الى المياه غير المغطاة والأواني لتسبب في تأثيرات أسرع نظرا لقربها من منازل المواطنين.
لا يحتاج تأثير تلك المصانع الى دليل فسالكوا طريق ولاية نواكشوط الشمالية الى توجنين -الوقفة – والمغادرين للعاصمة عن طريق هذا الطريق الحيوي لن يفوتهم الدخان حتى في أوقات الهجير، مما ينذر باحتمال حدوث كارثة بيئية وصحية ان لم تتخذ إجراءات عاجلة وسريعة للتصدي لهذه السموم الغازية والحد منها من بين إجراءات عاجلة سنوردها في هذا المقال.
هناك البعض من الحلول التي يُمكن اتباعها لأجل التقليل من الدخان الناتج من المصانع، وهو ما يؤدي إلى التقليل من تلوث الهواء والتخفيف الكبير من التلوث البيئي والحفاظ على صحة الإنسان والكائنات الحية، وتتمثل في ثلاث حلول مختلفة وهي كما يلي:
1- الحل الأول يتمثل في الحفاظ على الطاقة يكون من خلال إيقاف تشغيل المرواح والأضواء حين الانتهاء من العمل، وتُعد هذه طريقة فعالة من أجل التقليل من كمية الوقود الأحفوري الذي يتم حرقه لإنتاج الكهرباء، وهذا يُساهم في التقليل من دخان المصانع بشكل كبير.
2- الحل الثاني يعتمد بشكل كبير على مفهوم إعادة التدوير والاستخدام، وتعتمد هذه الاستراتيجية على تعزيز بيئة أفضل خالية من تلوث الهواء ومن دخان المصانع سواء الانعدام الكامل أو التقليل من هذا الدخان.
3-الحل الثالث هو حل استخدام المصادر البديلة للطاقة ومن ضمنها: الطاقة الشمسية، طاقة المياه، طاقة الرياح، والغرض من ذلك هو التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري أو استخدامه بشكل أقل من الوقت الحالي، وهو ما يؤدي إلى تقليل حجم الدخان الناتج من الغلاف الجوي والذي يأتي إليه من المصانع والسيارات.
ان صحة جسم الإنسان، المحافظة على البيئة، كل منهما من الضروريات الهامة للغاية التي يجب الحفاظ عليها بشكل كبير، ويجب إيقاف أو تخفيف الدخان المنبعث من المصانع لكي تكون الأمور أفضل في الفترة المقبلة، ويُمكن تحقيق هذا عن طريق طرق فعالة للغاية مثل: الحفاظ على الطاقة الكهربائية بجانب ترشيد الاستهلاك بالشكل الصحيح، وكذلك استخدام مصادر بديلة للطاقة ولا يتم الاعتماد بشكل كامل على الوقود الأحفوري الذي ينتج عنه هذا الغاز الضار،
لا يمكن أن نختم قبل الإشارة الى أن هذه الأدخنة ينتج عنها بعض الأمراض التي يسببها تلوث الهواء والجو العام بصفة عامة ومن ضمن هذه الأمراض:
*مشاكل القلب فاستنشاق الهواء الضار والملوث لوقت طويل يؤدي الى خطر الإصابة بأمراض القلب، فتخالط الغازات الناتجة عن المصانع خاصة أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد النيتروجين في مجري الدم يؤدي الي اضطرابات القلب والأوعية الدموية.
*سرطان الرئة: قد يعتقد البعض أن المدخنين فقط هم من يتعرضون لسرطان الرئة، لكن الدراسات أشارت، أن تلوث الهواء في الكثير من الأحيان يسبب سرطان الرئة.
*الضرر على الحوامل والأطفال حديثي الولادة: عادة ما تكون مناعة الأم الحامل والأطفال حديثي الولادة ضعيفة، ما قد يعرضهم لاضطرابات في الرئة.
*قصر العمر: حيث أظهرت الدراسات الحديثة أن الشخص الذي يعيش في المدن التي تحتوي الكثير من المصانع والسيارات أقل عمرا بحوالي 3 سنوات من نظيره الذي يعيش في الريف.
نتمنى أن تفتح الجهات الحكومية تحقيقا حول ظروف الترخيص للمصانع في منطقة نواكشوط الشمالية والتزاماتها الأولية حول البيئة ومن بعد اشراكنا كمنظمات مجتمع مدني بيئي متخصصة في وضع استراتيجية وطنية لوقف مخاطر الدخان عن مواطنينا الأعزاء في توجنين وغيرها من المناطق التي تصلها هذه الغازات السامة.
محمد عينين احمد
-رئيس الجمعية الموريتانية للسلامة والصحة المهنية والمحافظة على البيئة