حول عصرنة نواكشوط وضبط التمايز الشرائحي 

بارقة أمل بدأت على وجوه سكان العاصمة نواكشوط منذ إعلان البرنامج الاستعجالي لعصرنة مدينة نواكشوط، ولاشك أن تلك الفرحة تعبر بشكل عميق عن حالة الحيرة واليأس التي كانت تخيم على كل بيت في أحياء مابات يعرف بأحياء "ماوراء مدريد" ومردُّ ذلك يعود بالأساس إلى التوجه الذي تشهده العاصمة منذ سنوات بخطة إعمار غير متوازنة جعلت السكان في حالة نزوح جماعي إلى أحد أطراف من المدينة.

لقد بات من الخطير جدا على مستقبل الدولة الموريتانية هذا التحول على أسس شرائحية في العاصمة نواكشوط والهجرة العائلية من الداخل إلى نواكشوط، فلاشك أن المتابع للمشهد منذ سنوات يلاحظ أن أحياء نواكشوط بدأت تتشكل على أسس شرائحية وطبقية مع هجرة جماعية غير مسبوقة من العواصم الداخلية وهو ما يستدعي تفكيراً جدياً في موضوع اللامركزية والتنمية المحلية وضبط الملف العقاري في العاصمة.

إن إعادة الحياة إلى الأحياء الشعبية بإنشاء بنية تحتية لائقة هو مؤشر إيجابي لمحاربة هذا التمايز الطبقي الخطير الذي بدأ يستفحل منذ مدة في ظل فوضى في مجال العقار غير مفهومة جعلت بعض الأسر تتخلى عن منازل أنفقت فيها أموال طائلة لسنوات لتكتشف الآن أنها استثمرت في الموقع الخطأ نظرا لانعدام القيمة السوقية لمنازلها مقارنة بساحات قاحلة في الجانب الشمالي من العاصمة. 

لقد كان من المناسب بعد تحويل المطار القديم أن يتم استغلال تلك المساحات الشاسعة للمنشآت العمومية كالجامعة والمدارس  والإدارات الخدمية الأخرى حتى تظل نقطة وسط بين الأحياء وتحويل بعض الوزارات إلى الولايات حسب المجال، الزراعة في الضفة والتنمية الحيوانية في الشرق والمعادن في الشمال..إلخ

لذا نأمل أن تكون الخطة الاستعجالية لعصرنة نواكشوط بداية لضبط تمدد العاصمة وفق استراتيجية محكمة للحفاظ على اللحمة الوطنية وتهيئة الظروف المناسب لذلك، خصوصا أن مشروع المدرسة الجمهورية هو رؤية استيراتيجية لخلق أجيال جمهورية قادرة على تجاوز مخلفات الماضي،  لكن ذلك يقتضي وقف فوضى تحول نواكشوط على أحياء ذات طابع شرائحي منقسمة إلى طبقتين مُعدمة وبرجوازية واندثار للطبقة المتوسطة ومن خطورة ذلك أن البعض قد يسعى للقفز إلى الطبقة بالرجوزاية بطرق غير قانونية للثراء السريع.

كما نأمل أن ينال ملف اللامركزية والتنمية المحلية نفس الاهتمام فمن غير المنطقي أن تكون مدننا الداخلية مجرد مزارات سنوية في فصل الخريف أو المواسم السياسية بدل استغلالها للمساهمة في الإنتاج سواء كان ذلك عن طريق الثروة الحيوانية أو المجال الزراعي وحتى السياحي، خصوصا أن كل أسرة تهاجر إلى نواكشوط غالباً تتحول إلى أسرة مستهلكة فقط. 

 

أحمدو ولد محمد فال ولد أبيه 

مستشار جهوي/ باحث في مجال اللامركزية والتنمية المحلية

خميس, 21/11/2024 - 15:08