غزة تحت الركام.. أتكرروا العمل نفسه وتتوقعوا نتيجة مختلفة..؟

"حق الدفاع عن النفس" خلف هذه الكلمات التي أقدمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على تشويه وتزوير جوهر مفهومها عمداً ومن ثم توظيفها عسكرياً وسياسياً في غير مكانها للتستر على جريمتهمالمروعة في مشاركة الكيان الصهيوني الدموي (الذي قام على أشلاء وجماجم ودماء الفلسطينيين) في حربه الغير مسبوقة في بربريتها على قطاع غزة ومن ثم لبنان مؤخراً, فدمروا قطاع غزة المنكوب عن بكرة ابيهوقتلوا ما يقارب 45000 شهيداً من ابنائه بالاضافة الى حوالي 150000 مصاب 40% تقريبا منهم بإعاقات دائمة وحوالي 12000 مفقود وحوالي 5000 معتقل, ومن ثم التفتوا الى لبنان فقتلوا حوالي 3000 شهيد وحوالي 14000 مصاب.

وفقاً لكل فقهاء القانون فان القانون الدولي يكفل حق الدفاع عن النفسللشعب الواقع تحت الاحتلال "مقاومة الاحتلال والدفاع عن نفسهوارضه", وقطعاً ليس للقوة التي تقوم بالاحتلال.

وفي هذا السياق, تجدر الاشارة الى ان القوانين والتشريعات الدولية تفرض ضوابط واضحة في حالات الدفاع عن النفس (الصحيحة والحقيقية والفعلية) أهمها أن يكون الرد على التهديد أو الخطر متناسبا مع حجم هذا التهديد، وأن يكون معقولاً، وان يكون استخدام القوة (ان استدعى الامر ذلك) ملائماً لحجم وقدرات وقوة مصدر الخطر او التهديد وضمن حدود الضرورة، بدون تتجاوز الحدود المشروعة أواستخدام اسحلة مبالغ في قوة تدميرها أو قوات زائدة غير مبررة وضرورة تجنبالتصرفات والسلوكيات التي تتعارض مع القوانين والاعراف الدولية التي تضبط هذه الحالات.

ولكنه منطق القوة الغاشمة, المنطق الكولونيالي الامريكي الغربي الاعوجالذي يلوي عنق الحقائق والمنطق والواقع محاولاً صرف الانظار عنجرائمه وارهابه وفظائعه بمعلقات من التصريحات الجوفاء اللامعنى لها وهدفها الاوحد محاولة طمس الجرائم والمجازر وحمامات الدم.

"حق الدفاع عن النفس" عند هؤلاء المجرمين تعني تفويضاً ليقوموا بما يشاءون في قطاع غزة (بغض النظر عن جذور الصراع واصل نشوء قضية الشعب الفلسطيني ودون الالتفات الى اي حق من حقوقه الوطنية),"وما يشاءون" في المفهوم الاجرامي "الصهيوامريكي" وفقاً لشواهد التاريخ تعني ابادةً جماعيةً وجرائم ضد الانسانية وتطهيراً عرقياً, وتعني استمرار فرض الحصار الرهيب على حوالي 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة والمفروض عليهم منذ أكثر من 17 عاماً متواصلة, وتعني القصف الجوي الهمجي بأحدث انواع الطائرات المقاتلة على هذا القطاع شبه الاعزل, وتعني تدمير البيوت فوق رؤوس اصحابها لقتل اكبر عدد ممكن من اهل القطاع الابرياء من الاطفال والنساء وكبار السن, وتعني اعادة تهجير اهالي غزة الى خارج الارضي الفلسطينية, وتعني قصف المرافق التي تتمتع بحماية وفقاً للاعراف الدولية والقيم الانسانية والاخلاقية كالمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس والمقابر, وتعني قصف الابراج السكنية ومقرات المنظمات الدولية والانسانية والحقوقية, وتعني قتل الطواقم الطبية والمرضى,وتعني تدمير مقرات وسائل الاعلام وقتل الصحفيين عمداً لإخفاء جرائمهم, وتعني حرمان ما بقي حياً من اهل غزة من كل مقومات الحياة كالماء والدواء والغذاء والكهرباء والاتصالات والوقود....اي تعني القضاء على جميع مظاهر الحياة في هذا القطاع المنكوب. 

الجرائم المرعبة التي اقترفها الارهابيون الصهاينة وشركاؤهم الامريكيون في قطاع غزة تحت غطاء "حق الدفاع عن النفس" تشكل وصمة عار على جبين الولايات المتحدة ورئيسها جو بايدن الذي يتباهى بصهيونيته على رؤوس الاشهاد وكذلك وصمة عار على جبين كافة دول العالم التي اكتفت بالمراقبة من بعيد لبعيد وكأن الضحايا ليسوا بشراً مثلهم من دم ولحم, وان كان بعضهم كلف خاطره فشجب وأدان واستنكر, وانتهي الامر, على الرغم انهم يعلمون جيداً ان القصف البربري يقضي على المدنيين الابرياء العزل ولا يطال المقاومين الذين يتحصنون في انفاق تحت الارض, ولكنه الاجرام المتأصل في نفوس هؤلاء الارهابيين القتلة ومن يساعدهم.

هذه السلسلة من الجرائم المروعة يقترفها هؤلاء الارهابيون منذ نحو 13 شهراً بحق اهالي قطاع غزة العزل ودفنهم احياء تحت انقاض بيوتهم مما نتج عنه استشهاد وفقدان واصابة واعتقال حوالي 10% من مجموع سكان القطاع المنكوب, هذا بالاضافة الى حوالي 2 مليون نزحوا من بيوتهم في مختلف مناطق قطاع غزة الى المدارس والمساجد والمستشفيات والشوارع بحثاً عن الامان وفقاً لتقديرات وكالة الامم المتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين "أونروا" ووفقاً لما ذكره المبعوث الامريكي الخاص بالقضايا الانسانية ديفيد ساترفيلد, رغم ان هذه الملاجئ كانتهي الاخرى هدفاً للقصف الصهيوني الامريكي, مما دفع منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية لين هاستينغز لاصدار بيان قالت فيه: " لا يوجد مكان آمن في غزة بسبب القصف الصهيوني المركز على القطاع وأن الإنذارات المسبقة التي وجهها الجيش الصهيوني للسكان من أجل إخلاء المناطق التي يعتزم استهدافهالا تحدث أي فرق".

هؤلاء الارهابيون يحترفون الخراب والتدمير ولكنهم في القتال وجهاً لوجهفهم فاشلون كما ثبت يوم السابع من اكتوبر العام الماضي, فهم يقصفون من الطائرات من السماء من بعيد لبعيد, لعلمهم انهم بمنأى عن اي خطر كون أهل غزة لا يملكون اي نوع من المضادات الارضية, كما يقاتلون من داخل دباباتهم وعرباتهم المصفحة, بالفعل انهم يجيدون القتل لا القتال كما قال احد المحللين.  

أمكنهم احتلال القطاع للتفاوت الهائل في ميزان القوى وتفوقهم التسليحي الهائل, ولكن السؤال المطروح....ماذا بعد...؟؟؟, هلسينهي ذلك القضية الفلسطينية...؟؟؟, قطعاً بالتأكيد "لا" قولاً واحداً, ولكنه سيزيدها تعقيداً, وقد يعيدها الى المربع الاول, ولكن هذه المرة بحسب الكثير من المؤشرات الدولية سيكون الامر في ظل نظام عالمي جديد قيد التبلور سيكون متعدد الاقطاب وبالتالي اكثر توازناً و أقل ظلماً من ذلك النظام الاحادي القطب الذي تقوده واشنطن والذي حشر هذا الكيان الصهيوني الغريب عنوة داخل نسيج مجتمعاتنا العربيةوالاسلامية التي لفظته في مجملها لاختلافه الشديد معها لغة وثقافة وعقيدة ولوناً وتاريخاً وكل شئ ولعل هذا من ابرز عوامل فشل مشروعهم الشرير هذا, وقد اشار الى مثل هذا المعنى المفكر والكاتب اليهودي ريتشارد كوهين بقوله : "فكرة اقامة دولة يهودية في وسط عربي إسلامي فكرة خاطئة".

الغريب انه رغم كل هذا التباين في كل شئ عن كل العرب والمسلمين الا ان امريكا تعمل بكل قوة على فرض هذا الكيان الشاذ والغريب عليهم لقبوله والرضى به كجزء من المنطقة تحت مسميات معاهدات السلام او تطبيع العلاقات او الاتفاقات الابراهيمية او تحالفات امنية وسياسية وما شابه وفي الوقت نفسه تشارك هذا الكيان الشاذ في كل جرائمه وارهابه ضد جزء اصيل من هؤلاء المسلمين والعرب, مقاربة غريبة وغير مفهومة. 

 

 

اخر الكلام:

لعل كل هذا الغلو في الاجرام والقتل والدم والارهاب الجاري في قطاع غزة ولبنان يقنع الغرب الذي يحتضن هؤلاء القتلة ويعتبرهم من ذوي الدم الازرق, محصنون وفوق القانون ولا يجوز مسهم او الاقتراب منهم وغير ممكن مساءلتهم او محاسبتهم مهما ارتكبوا من جرائم...... لعل كل جرائم الحرب وجرائم الابادة البشعة تقنعهم بأن يراجعوا انفسهم وينتصروا للانسانية والحق ويصطفوا الى جانب العدالة والقانون الدولي ولو مرة.

منذ اكثر من 76 عاماً وانتم تقتلون ابناء الشعب الفلسطيني وتدمرون بيوتهم وتسرقون اراضيهم وتزرعوها بمستوطنات غير شرعية (بموجب قرارات كافة الهيئات والمنظمات والمحاكم الدولية ذات العلاقة) يسكنها اغتصاباً غرباء قادمين من بولندا واوكرانيا وروسيا ورومانيا وبلغاريا وغيرها من شتى اصقاع الارض, وكذلك نهبتوا ثروات الفلسطينيينومقدراتهم وسلبتوا احلام وامال ومستقبل ابناءهم وحرمتوهم من الابتسامة وزجيتوا بالالاف منهم في غياهب السجون ودنستوامقدساتهم الاسلامية والمسيحية وحاولتوا الاستيلاء على ماضيهم وتراثهم وتاريخهم ومصادرة حاضرهم والغاء مستقبلهم, وشردتوهم وهجرتوهم في شتى بقاع الارض وحاربتوا كل من يعطف ويقدم له المساعدة بما في الامم المتحدة ممثلة بالاونروا بهدف طمس هويتهم وتذويبهم والقضاء على هويتهم كفلسطينيين يطالبون بوطنهم السليب, حاصرتوهم ومنعتوهم من التنقل والتواصل والدخول والخروج كبقية البشر, صادرتم حريتهم وامتهنتم آدميتهم ومنعتوهم من تنفس نسائم العزة والشعور بالكرامة والاعتداد بالنفس.

اي انكم سرقتوا وطنهم كاملاً بأرضه وسمائه ومائه وهوائه ومقدراته وطعامه ولباسه وتراثه وماضيه وحاضره ومازالتم تفعلون منذ حوالي 8 عقود, وها انتم بعد كل هذه المعاناة تتنكروا لحقوقهم ومن ثم تجردوهم من انسانيتهم لتستسيغوا ابادتهم والتخلص منهم.

هذه القائمة التي اشرنا اليها من جرائم الارهابيين الصهاينة تمثل عينة من معاناة اهل فلسطين وعذاباتهم طيلة اكثر من 76 عاماً على يد الصهاينة ومن وراءهم, وعندما سنحت الفرصة لهؤلاء المظلومين للقيام بالدفاع عن ارضهم وعرضهم وشعبهم ومقدساتهم قام رعاة الظلم والشرفي هذا العالم (الولايات المتحدة واذنابها في اوروبا) بتحريك قاذفاتهم الاستراتيجية وحاملات طائراتهم ومقاتلاتهم وصواريخهم ومدافعهم وكل ادوات موتهم ودمارهم نحو قطاع غزة او من يحاول مد العون لاهل غزة, والادهى والامر انهم يفرضوا على بعض الفلسطينيين والعرب ان يقوموا بشجب وادانة ما قام به المقاومون الفلسطينيون رغم ان حق مقاومة المحتل الغاصب مكفول بكافة القوانين والشرائع الدولية, ولم يكلفوا انفسهم ان يفعلوا الشئ نفسه تجاه قتل أكثر من 50 الف فلسطينياً 90% تقريباً منهم اطفال ونساء وشيوخ 3000 الاف لبنانياً معظمهم مدنيين كما سبقت الاشارة, أليس هؤلاء بشراً فقدوا حياتهم ايضاً...؟؟؟, 

لكنها ازدواجية المعايير الامريكية الغربية المقيتة قاتلها الله, وهي التي اوصلتنا الى ما نحن فيه.....!!!!!

 

حسبنا الله ونعم الوكيل. 

جربتم طوال اكثر من 76 عاماً عدة مرات خيار القتل والتدمير وحرق الاخضر واليابس والغطرسة والتنكر للحقوق الفلسطينية...!!! وماذا كانت النتيجة..؟؟, النتيجة ما وصلنا اليه اليوم, تعاظم قدرات المقاومة الفلسطينية وتزايد حدتها وتأثيرها وفاعليتها وتطور وسائلها وادواتها واصرار اكبر على الدفاع عن الارض والعرض والحقوق مما ادى الى سقوط المزيد من الضحايا وسفك المزيد من الدماء.....

وها أنتم تلجأون الى نفس الخيار مرة اخرى, هل تتوقعون نتيجة مختلفة....؟؟؟؟

أليس من العبث وربما الغباء ان تكرروا نفس الفعل كل مرة وتنتظروانتيجة مختلفة....؟؟؟؟ 

لماذا لا تجربوا خياراً اخر مختلف عما جربتموه وثبت فشله...؟؟, جربواان تتعاملوا مع الفلسطينيين كبشر مثل بقية خلق الله, جربوا ان تتخلوا عن محاولاتكم الرامية الى تجريدهم من إنسانيتهم, جربوا ان تعطوهمحقوقهم بما في ذلك حقهم في تقرير مصيرهم, جربوا ان تعيدوا لهمارضهم, جربوا ان تسمحوا لهم باقامة دولتهم المستقلة اسوة بباقي شعوب الارض وفقاً لقرارات الشرعية الدولية...!!!

وعندها فقط ستحصلون على نتيجة مختلفة.

ولكن "لقد أسمعت لو ناديت حياً, ولكن لا حياة لمن تنادي"

 

د. سمير الددا

[email protected]

ثلاثاء, 05/11/2024 - 19:56