المساواة في الميزان

تقع  المساواة بين الجنسين في صميم قيم حقوق الإنسان و الأمم المتحدة و تعتبر مبدءا أساسيا و معتبرا لميثاق الأمم المتحدة الذي اعتمده قادة العالم في عام 1945 ، و يعنى بالمساواة عدم التمييز في الحقوق و الواجبات بين الجنسين ،ما سنقوم به في هذا المقال مجرد تسليط الضوء على بعض المتشابهات و الشبهات المطروحة من طرف أدعياء الحداثة و ضحايا علمنة الغرب ،و لنقوم بذلك سنتكلم من منظورين هما الشرع و الطب .
دخلت العلمانية الحديثة العالم العربي و الإسلامي من أضيق أبوابه و أعظمهم قيمة و منفعة ،ألا وهو باب الأسرة المسلمة ،وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على فشل القوى العلمانية في اختراق العالم الإسلامي و قدسيته، و لاستدراك هذا الفشل وعلى حين غرّة نهضت العلمانية بمحاولة جديدة كانت بمثابة آخر الأوراق لاختراق عالم رافض لشذوذ الغرب ،متمسك بقيم الدين و الأصالة و لعلّ تلك الورقة الأخيرة كانت النسوية ، أو الفمينيزم من منظور غربي.
دخلت النسوية الغربية عالمنا بنوع من التقية "كما يعرف في مذاهب الشيعة " جاءت بشكل سطحي مدّعية رفض الظلم عن نساء الأمة المظلومات و المهمّشات و هو ما لا أشك فيه من منظور شخصي، فمن أطلق نظرة على تاريخ المرأة في العالم العربي أدرك ما تعرضت له من ظلم و تهميش و إقصاء ،لكن هل كان الحلّ في المساواة؟ أم في إعطاء كل ذي حق حقه ؟ .
هل جاءت النسوية كرسول للنضال ؟أم عالما خفيا يخفي في طياته هدما و تفكيكا لمنظومتنا و فطرتنا السليمة ؟
الكثير من الأسئلة تدور في خلد الكثير منكم خاصة في من يعتنقون نظرية المؤامرة و لعلّي أحد أشد المؤمنين بها .
مفهوم الجندر :أو ما يسمّى بالنوع الاجتماعي و هو مصطلح طرأ على المسامع و الأذهان في السبعينات من القرن الماضي ليتم اعتماده كمصطلح علمي يدلّ على الاختلاف في العلاقات و الأدوار الاجتماعية على غرار كلمة "جنس "اللتي تطلق على اختلاف بيولوجي و فيسيولوجي ، ظهر هذا المصطلح الفضفاض "الجندر" فقام بإشعال العداء بين الجنسين وكأنهما متناقضان ومتنافران كما جاء في أوراق المؤتمر الدولي لتحديات الدراسات النسوية في القرن 21 الذي نظمه مركز البحوث التطبيقية والدراسات النسوية في جامعة صنعاء في اليمن، وعليه يُزج بالجنسين في صراع إثبات الذات بشكل فرداني متمحور حولها.
التمييز الجنساني بين الطب و الشرع :
قام الدين قديما على وضع أدوار نمطية تميّز بين الذكر و الأنثى و هو ما تسعى النسوية الحديثة جاهدة لهدمه في مجتمعاتنا ذات الطابع الديني ،حيث أن الشرع أعطى المرأة مكانة عظيمة إذ جعلها أمّا مطاعة و زوجة أو أختا مصانة ففرض عليها الطاعة و كلّف الرجال بالقوامة و 
النفقة عليها  حتى و إن كانت ذات مال و عمل ،و أعطاها دورا نمطيا يكمن في طاعة الزوج و تنظيم الأسرة و تربيتها ،و لعلّ ذلك كان الأمر المستغل من قبل القوى العلمانية لتدخل الأسرة عن طريق النسوية ،فتقزّم دور المرأة المسلمة في كيان الأسرة و تخرجها من بيتها إلى سوق العمل لتحولها من كيان لسلعة هذا في المقام الاول ، ثانيا شددت النسوية على أنّ المرأة المطيعة لزوجها امرأة مهمّشة و مستغلّة في حين أنّ الدين أمرها بذلك و جعل الجنّة مكافأة لها على برّها وطاعتها و هو ما تراه النسوية لقصور فهمها و سذاجتها نوعا من التفضيل للذكر على حساب الأنثى ،جاهلة أو غير مدركة أن هذه المرأة عينها الملزمة بطاعة الزوج لو امتلكت ثلاثة أولاد ذكور لتمّ إلزامهم شرعا بطاعتها و برّها ، فكيف بعد هذا نرى المسألة تفضيلا لجنس عن آخر ؟
أي أنّ الدين أقر التمييز بين الجنسين و قسّم الأدوار بينها بشكل تكاملي لا تفاضلي كما ترى النسوية قاصرة الفهم و العقل .
في ميزان الطب الحديث :
رأينا في الآونة الأخيرة الكثير من النسويات ترفعن الشعار العلمي مستدلّين به على تساوي الرجال و النساء من منظور طبي في العقل و القوة و التحكم و هذا إن دلّ على شيءٍ فإنما يدل على جهل النسويات أو استغلالهم لجهل ضحاياهم من النساء و الفتيات ، فلننظر معا بعيدا عن سطحية الذكورية و استغلالها للعاطفة أقوال العلم حول الموضوع ، في أوائل الثمانينيات، على سبيل المثال، ظهرت فكرة تقول إن الجسم الثفني (Corps calleux )، وهو جسر من الألياف العصبية يربط بين نصفي الدماغ، أكبر حجما في أدمغة النساء. وتناسبت هذه النظرة بشكل جيد مع المفهوم السائد حينها حول وجود “دماغ أيمن” و”دماغ أيسر”: حيث إن النصف الأيسر من دماغ الإنسان مسؤول عن اللغة بالإضافة إلى التفكير التحليلي والمنطقي، في حين أن النصف الأيمن مسؤول عن العاطفة والإبداع. وقد تم في هذا الإطار تفسير قدرات المرأة المزعومة في القيام بمهمات متعددة في الوقت نفسه وزيادة نسبة الوعي العاطفي لديها على أنها نتيجة لقدرتها على التفعيل شبه المتزامن لجانبي الدماغ، وذلك بفضل الجسم الثفني المتضخم لديها، كما  توضّح إحدى الدراسات التي نُشرت في عام 2014 طبيعة المشاكل المرتبطة بهذه المقاربة. إذ قام الباحثون في جامعة بنسلفانيا بتحليل مسارات التوصيل العصبي داخل الدماغ لدى مجموعة كبيرة من النساء والرجال، ثم قالوا إنهم وجدوا بأن التوصيلات داخل كل نصف دماغ كانت أقوى لدى الرجال، فيما التوصيلات بين نصفي الدماغ لدى النساء كانت الأقوى. هذا على حد زعمهم يعني أن “عقول الذكور منظمة لتسهيل الربط بين الحواس والعمل المنسق، في حين أن أدمغة الإناث مصممة لتسهيل الاتصال بين أنظمة المعالجة التحليلية والعاطفية”.   مما يعني أن العلم يقرّ  التمييز بين الجنسين فينمّط الذكر بالعقل و الحكمة في الأوقات العصيبة بينما يعطي المرأة دور الهيجان العاطفي في الأوقات العصيبة ، لا أذكر هذه المعلومات في صدد التفضيل بين الجنسين إنّما أذكره في صدد التمييز و تقسيم الأدوار ، كما تنعم الأنثى بقدرة هائلة في فعل أشياء كثيرة في وقت واحد و هذه ميزة فقدها جلّ الرجال من ما يؤكد نظرية التمييز في عالم الطب الحديث .
الآن و قد اتفقنا على ثلاثة نقاط و هي :
*نظرية التمييز بين الجنسين من منظور شرعي و ديني .
*نظرية التمييز بين الجنسين من منظور علمي حديث .
*نظرية الظلم و التهميش الممنهج للمرأة و الفتاة .
نأتي الآن لمرحلة الحلول ، هل نعطي الثقة التامة للمنظمات العلمانية و الأمم المتحدة و نحن ندرك أنّها حرب على العالم الإسلامي و نتتظر بكل هدوء القضاء على آخر منظومة إسلامية في حدود 2030؟ 
أم نواصل الإقصاء و التهميش و ترك الأمور للقوى الذكورية الرجعية ؟ 
أم نكون على موقف وسطي بين الضلالتين ؟ فننهض بالمرأة في إطار يصون قيمتها الأسرية و يثبت إنتاجيتها المجتمعية إنطلاقا من ديننا الحنيف الآمر بإعطاء كل ذي حق حقه ؟
فلنختر بين الخيارات الثلاثة و لنستعدّ للعواقب أيا كانت ،و الله على ما نقول و نفعل شهيد و وكيل .

البار عبد الدايم 

اثنين, 04/11/2024 - 17:09