هناك تناقض لافت للانتباه في المسار الذي مَرَّ به القانون رقم 054/ 2007 الصادر بتاريخ 18 سبتمبر 2007، المتعلق بالشفافية المالية للحياة العمومية، ويتمثل هذا التناقض في طبيعة تعامل رئاسة الجمهورية والجمعية الوطنية مع مشروع القانون، فعندما وصلت المسودة الأولى لهذا القانون إلى الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله رحمه الله، قرر أن يجري عليها تعديلا إيجابيا، وذلك عندما لاحظ بأنه لا يوجد بتلك المسودة مادة تنص على أن رئيس الجمهورية ملزمٌ بأن يعلن عن ممتلكاته للرأي العام، فما كان منه إلا أن طلب إضافة نشر رئيس الجمهورية للتصريح بممتلكاته، لتظهر في القانون المادة الثانية، والتي تقول: "يقوم رئيس الجمهورية بعد تنصيبه وعند نهاية مأموريته بالتصريح بممتلكاته وممتلكات أطفاله القصر. وينشر هذين التصريحين". بالطبع، كان من المفترض أن تُشمل الزوجة في هذه المادة.
لابد من الإشارة هنا، ومن قبل تقديم ردة الفعل المناقضة التي جاءت من البرلمان، أن النشر الذي جاء في هذه المادة لم يطبق ـ حسب علمي ـ حتى الآن، وأتمنى من فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، أن يَسُنَّ سنة رئاسية حسنة، وأن يكون هو أول رئيس للجمهورية الإسلامية الموريتانية يلتزم بمطلب نشر التصاريح الذي جاء في المادة الثانية من هذا القانون.
لا أدري إن كان الرئيس الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله قد صَرَّح بممتلكاته، والراجح عندي أنه لم يُصرح بها، وإن كان قد صرَّح بها، فالمؤكد هو أن تصريحه لم ينشر للرأي العام، وربما يكون قِصَر الفترة التي قضاها رئيسا قد حال دون تصريحه بممتلكاته، ومع ذلك فسيبقى يحسب له، أنه أجرى تعديلا إيجابيا على مسودة القانون، وذلك ليعطي المثال الحسن في محاربة الفساد، وليُظْهِر أنه حريص على إضافة كل ما من شأنه أن يحسن من القانون، ويعزز ـ بالتالي ـ من قيم الشفافية والنزاهة، حتى وإن استدعى ذلك أن يلزم نفسه بالتصريح بممتلكاته ونشر ذلك التصريح للرأي العام. أقول فإذا كان الرئيس الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله قد أجرى تعديلا إيجابيا على مسودة القانون، فسنجد في المقابل، أن النواب قد أجروا على مشروع القانون تعديلا سلبيا، حذفوا بموجبه أنفسهم من لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم، وكان النواب ضمن هذه اللائحة في مشروع القانون عندما أحيل إليهم للمصادقة عليه.
لم يوفق النواب في حذف أنفسهم من لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم، ولم يكن فعلهم ذلك مبررا، خاصة إذا ما استحضرنا:
1 ـ أن النواب في البلدان المماثلة لنا وغير المماثلة، يشملهم قانون التصريح بالممتلكات، وهم ملزمون بالتصريح بممتلكاتهم، فبأي منطق يستثنى النواب في موريتانيا؟
2 ـ أن النواب هم من يمثل الشعب، ولذا فأول ما يجب على النواب فعله للتعبير عن تمثيلهم للشعب هو إظهار جديتهم في محاربة الفساد، فلا شيء يتضرر منه الشعب الموريتاني أكثر من الفساد، وأول ما يجب على النواب فعله لإظهار جديتهم في محاربة الفساد هو أن يصرحوا بممتلكاتهم؛
3 ـ أن النواب لا يليق بهم أن يكونوا هم الاستثناء الوحيد من بين كل المنتَخبين في لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم، تقول المادة الرابعة من القانون : "يلزم كذلك بالتصريح بالممتلكات بنفس الشكل وبنفس الشروط، أصحاب المأموريات الانتخابية"، فبأي منطق يُسْتثنى النواب لوحدهم من بين كل أصحاب المأموريات الانتخابية؟
4 ـ أن القانون رقم 014/ 2016 المتعلق بمكافحة الفساد يجعل من المنتخَب موظفا عموميا ينطبق عليه في هذا القانون ما ينطبق على الموظف العمومي.
وتبقى الحجة الوحيدة التي يبرر بها النواب سحب أنفسهم من لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات هي أن القانون لا يمنعهم من مزاولة الأعمال التجارية، وهذه حجة ضعيفة، فهناك في لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات من لا يُحَرِّم عليه القانون ممارسة أنشطة تجارية، ثم إن السماح بممارسة الأنشطة التجارية للنواب تدعو أكثر لمطالبتهم بالتصريح بممتلكاتهم، وذلك خوفا من أن يستغلوا الصلاحيات الممنوحة لهم في مجال التشريع ومراقبة العمل الحكومي، أن يستغلوها لتحقيق إثراء غير مشروع من خلال الأنشطة التجارية التي يمارسونها.
ومما يزيد من ضرورة إدراج النواب في لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات هو أن هناك تزايدا كبيرا في نسبة رجال الأعمال في البرلمان، وهناك من النواب من أنفق أموالا طائلة في حملته الانتخابية، وعندما فاز في الانتخابات لم يظهر له أي نشاط برلماني، ومن النادر جدا أن يُشاهد في جلسات البرلمان، فمن هنا وجب طرح الأسئلة التالية: لماذا ترشح هؤلاء أصلا؟ ولماذا أنفقوا أموالا طائلة لضمان فوزهم ما داموا لا يفكرون في أداء مهامهم البرلمانية؟ وهل لتشرحهم علاقة ما بمصالح تجارية يريدون تحقيقها من خلال استغلال مقاعدهم في البرلمان؟
تزداد وجاهة طرح هذه الأسئلة في ظل تنامي حصول شركات ومؤسسات لنواب معروفين على العديد من الصفقات العمومية خلال مأمورياتهم، وذلك حسب ما ينشر في بعض المواقع والمنصات الإخبارية.
خلاصة القول : لم يعد من المقبول أن يبقى النواب خارج لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات، خاصة في ظل هذه المأمورية التي رُفع فيها شعار محاربة الفساد عاليا، وكذلك في ظل الحديث عن قرب تعديل القانون المتعلق بالشفافية المالية للحياة العمومية، والسعي إلى تحسين آلية التصريح بالممتلكات، وإضافة التصريح بالمصالح مع التصريح بالممتلكات، والتصريح بالمصالح قد يعني النواب أكثر من غيرهم، ومن هنا وجبت إضافتهم للائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم ومصالحهم.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين الفاضل