القاضي الماركسي وحرطاني كيفة!

هذا حدث سنة 1949 في الدائرة التي كنتُ مسؤولاً عنها، جاءنا قاضٍ حديث السّن وما زال متدرباٌ ومليئاً بنار الثورة، مفعما بنية تحرير افريقيا من كل كَوارثها، و طلب مني أن أترجم له حديثاً دار بينه وبين رجلٍ مسن بيظاني جاء برفقة رجلٍ كبير القامة أسود اللون. 

دخلنا إلى المكتب حيث شرح لنا الرجلُ المُسن أنّ الرّجل الأسود كان عبداً له. وانّه جاء ليصحبه إلى قريته لأنّ موسم الأمطار قد حل وعليه أن يعود الى مكان عمله ليبدأ الحصاد.

وبما أنّ سبب وجود العبد هو مطالبة المحكمة به للإدلاء بشهادته، فإن البيظاني يعرض نفسه ليحل محل العبد ويشهد لهم في تلك القضية وعلى كل حال فإن شهادته خير لهم لأنّ شهادة العبد لا قيمة لها. 

وكنت طوال ترجمتي ألاحظ تقاسيم وجه القاضي التي كانت تحمرّ وتحمرّ موشكة على الانفجار فكان سيتهم الرجل بعدة تهمٍ أوّلها اعترافه بممارسة العبودية، الثانية محاولة شهادة الزور والثالثة استخدامُ يد عاملة دون دفع اجر لها! 

البِيظاني ذهب بنفسه ودون درايةٍ منه الى عالم السّجون حيث سيقضي باقي عمره بسبب تهم كهذه، ثمّ بعد انتهائه من مخاطبة الرجل المسن، التفت القاضي الى الرجل الأسود الذي لم يتحرك ولم ينطق بكلمة طوال الخطاب وقال له: "اذهب الآن فأنتَ حرٌ وبإمكانك أن تفعلَ ما تشاء ولن يرغمك أيٍ كان على فعل ما لا تريد، اذهب الى حيث أردت."

كان جوابَ الرجل الأسود للقاضي: "أنت تقولُ أني لستُ عبداً لهذا الرّجل؟ من أنا اذاً؟ أنا إذاً لا شيء ! إعلم أن أبي كان عبداً لأبيه، وجدي عبدا لجده واختهُ رََضعت لبنَ أمي وأنتَ تقولُ أنني لستُ ملكاً له؟" ثمّ نظر إلى المُسن البِيظاني وقالَ له برفقٍ: "هَيا بِنَا لنذهَب من هنا!" 

وذهبا تاركين القاضي المَاركسي الذي لم يبق له سوى الضّحك بعد أن فهم أنه دخل عالماً أسياده وعبيده لا يَنتمون إلى عَالمه ولا إلى زمنه.

 

المصدر: 

Gabriel Féral, Ma demeure fut l'horizon, 1995

سبت, 19/09/2020 - 00:55