التضامن الحكومي : إستراتيجية غير مألوفة في إدارة العمل الحكومي 

من ضمن المفردات شائعة الاستعمال لدى أعضاء هذا الفريق الحكومي أو ذاك مفردة التضامن الحكومي ، وهي مفردة تنطوي على معاني وانعكاسات قد  لا تكون واضحة الدلالة بالنسبة لمن ليست له معرفة مسبقة بأساليب إدارة العمل الحكومي في بلدنا. فهذه المفردة هي "مبدأ تقليدي للنظام البرلماني" وخصوصية متأصلة في الأنظمة السياسية ذات الطابع البرلمانيوهي تعبير عن روح العمل الجماعي التي تحرك أعضاء الحكومةوتهدف إلى الترابط بين أعضائها بحيث يشعرون بمصير سياسي مشترك وبأن تصرفات بعضهم تستلزم تدخل البعض الآخر، وهذا التضامن يعني أن نجاح عضو واحد في الفريق الحكومي هو نجاح للمجموعة بأكملها. ولكنه يعني أيضًا أن الخطأ السياسي الذي يرتكبه عضو واحد في الفريق يمكن أن يؤدي إلى انهيار التشكيلة الحكومية بأكملها أو على الأقل استقالة أو إقالة هذا العضو. وعلى الرغم من أن مفردة التضامن الحكومي تحمل معنى ايجابيا يتمثل في الالتزام الجماعي بالتدابير التي تضمن التناسق والتكامل في عمل أعضاء الحكومةوتنظيم الحياة الداخلية للحكومة على نحو يحقق أهداف البرنامج الحكومي خلال فترة زمنية محددة إلا أن التضامن الحكومي قد يكون أحيانا مرادفا لشكل من أشكال الإكراه السياسي أو الوصاية السياسية المباشرة التي قد يمارسها  الوزير الأول على أعضاء حكومته ، وفي هذه الحالة يحيل التضامن إلى حالة من القيود المتبادلة التي توجه أنشطة الوزراء وتجبرهم على التصرف بطرق معينة. إذا ما أسقطنا هذه الدلالة العامة على طريقة إدارة العمل الحكومي المٌعتمَدَة اليوم في بلدنا فقد يتبادر إلى الأذهان أن حضور مصطلح التضامن الحكومي في الخطاب الحكومي حاليا هو من أجل التأكيد على أهمية المحافظة على المكاسب المتحققة في المأمورية الأولى للرئيس ، وتركيز الجهود على تحقيق أهداف برنامجه الانتخابي تحت شعار " طموحاتي للوطن " الذي نال ثقة الشعب الموريتاني ، إلا أن انعكاسات تبني شعار التضامن الحكومي في مقاصده الجديدة تتجاوز مجرد كونها إرساء لإستراتيجية غير مألوفة في إدارة العمل الحكومي إلى كونها مؤشر على ميلاد سلوكيات وأخلاقيات مهنية  جديدة على مستوى علاقات البنية الفوقية للنظام السياسي المسئول عن الإدارة الحالية لشؤون الدولة. فمما لا شك فيه أن إلزامية التكامل وترابط العمل الحكومي  قد يكون مطلبا سياسيا وإداريا ضروريا تمليه مقتضيات الصرامة المطلوبة لمحاربة الفساد وتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والاندماج الاجتماعي  في بلد يخشى أهله من مشاكلهم الداخلية أكثر من خشيتهم من أعدائهم المحتملين في الخارج إلا أن تعدد مراكز القوة السياسية  وشخصنةالمناصب الحكومية  وتعدد الولاءات  ولامركزية القرارات السياسية والإدارية التي تطبع وتميز نظام الحكم في بلدنا منذ فترة ليست بقليلة تشكل كلها تحديات وعوائق جدية أما أي محاولة لإنفاذالأخلاقيات المهنية المرتبطة بتطبيق إستراتيجية مبدأ التضامن الحكومي ( الوزاري ) . فعلاوة على أن التضامن الحكومي يرمز إلى الممارسة الجماعية للسلطة السياسية وإثراء القرارات بفضل مواجهة الآراء والاعتدال الذي يتم الحصول عليه عن طريق الرقابة المتبادلة بين أصحاب القرار، وكذلك تقليص مظاهر شخصنةالسلطة بسبب مبدأ المسؤولية المشتركة للحكومة إلا أنه يٌوَسِعٌدائرة صلاحيات مراكز القيادة ( le leadeship ) ويوحي بضرورة التبعية ومجاراة القرارات والتوجهات العامة للفريق الحكومي حتى وإن كانت هذه القرارات مخالفة للقناعاتالشخصية لهذا الوزير أو ذلك . وعليه فإن شعار التضامن الحكومي هو سلوك سياسي والتزام أخلاقي يعزز العمل الجماعي للحكومة ويساعد على سرعة انجاز البرامج الحكومية ولكنه يضاعف الأعباء على كل وزير ويجبره على الأنحاء أمام زوبعة الإكراهات السياسية  طالما أنه ليس ملزم فقط بتحمل تبعات المسؤولية الجماعية للحكومة بل هو أيضا مسئول عن تصرفاته بشكل فردي . ولكي لا يتحول شعار التضامن الحكومي إلى أداة لِمَرْكَزَةِ السلطة أو مصدرا للشعور بالتبعية والإكراه السياسي ينبغي لكل عضو من الفريق الحكومي أن ينظر إلى انعكاسات هذا التضامن باعتبارها امتدادا لاستحقاقات إرساء دولة القانون والمؤسسات  التي لا يحق لأحد التعالي عليها أو محاولة صياغتها وتأويلها من منطلق قوة نفوذه وطموحاتهالشخصية . 

د/ سيدي محمد يب أحمد معلوم 

أكاديمي وخبير دولي في إدارة عمليات الاكتتاب والمسابقات

أحد, 18/08/2024 - 12:35