قبل ستين عاما بدأنا رحلة البحث عنه بعزيمة آدم وصبر أيوب ، تخيلناه في بساطة البداة وكرمهم وطيبتهم ، حملناه معنا أملا في حلنا وترحالنا انتجاعا بقطعان مواشينا في رحلة الشتاء والصيف ، سامرنا نديم الشاي بأحاديثه تحت ضوء القمر والله ثالثنا على كثبان ذهبية ملؤها النور والطهر والنقاء.
أرضعته الأمهات حليبا لأطفالهن ، وهدهدنهم به فعليه يصحون وعلى حلو أنغامه ناموا.
لسواد عيونه مات أبطال كثر ، وفي ساحات شرف عديدة ضرجوا ترابه بمسك دمائهم ، ورحلوا أكفانهم العلم.
في سبيله قاتلنا الأعداء والأشقاء ، نازلنا الخصوم بسلاح الرجولة ، فلا رماله خذلتنا ولا نحن خذلناها ، وكنا وبالا على كل جبار ومعتدي.
علمتنا باسقات نخيله الشموخ فلم ننحني ، وعلمتنا سنابل ثمار محاصيل حقوله التواضع فلم نص ّعر خدا ، ومشينا على الأرض هونا ، وقلنا للجهول سلاما.
غنيناه أناشيد طفولة وترنمنا به أشعارا شيبا وشبابا ، كان الكل َبراً به إلى أن جاء فجأة طوفان العقوق.
تقاسمناه غنيمة لصوص رهناه لليهود وبني الأصفر وقطاع الطرق مقابل رغيف خبز وحفنة شعير.
تشبهنا بهم وتشدقنا بأبجديتهم نلوك حروفها منبهرين أكثر بالعهر السياسي والأخلاقي أكثر من انبهارنا بالبعد العلمي والنهضة الشاملة والحريات فكان حظنا التعاسة ونصيبنا النكد.
كنا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، غرزنا السكاكين في قلب وطننا جميعا فتفرق دمه بين القبائل والجهات والأعراق ، وأنكرنا الجريمة وسجلناها ضد مجهول.
يأيها الباحثون عن وطن على ِرسلكم فدمه على صفائح خناجركم ، وثمنه البخس الذي ابتاعه منكم به الشيطان في جيوبكم ، فلماذا تبحثون عنه عبثا؟ ولماذا لاتعترفون بجريمتكم في صحوة ضمير؟
قلبي عليك ياوطني ذبحوك من الوريد إلى الوريد ، وجلسوا في عزائك نوائح يلطمون ويقرؤون أم القرآن والقرآن ، لم يقف الأمر عند هذا الحد بل بدأت جولات الخصومة على التركة ، إنهم حقا قتلة محترفون.
لاتبتئس ياوطن العلماء والصلحاء والرجال فلدى ثلة من بنيك بقية أخلاق وشيء من التقوى ، وغدا نتصالح مع ضمائرنا ، ونتكاتف صفا لنبني ونمسح عن جبين تاريخك الثري غبار الإهمال والنسيان.
محمد محمود إسلم عبد الله