سعدت بقراءة مؤلف بعنوان : "دراسة لقصائد الفخر في ديوان عنترة بن شداد العبسي"، هدية مقدرة من الأستاذ الفاضل "محمد الكبيد بن حمديت" الذي حصل، بموجب هذا المؤلف، على "دبلوم الدراسات المعمقة" من جامعة محمد الخامس، سنة 1984.
يبدأ الكاتب بوصف دقيق للبيئة الجاهلية (الحياة الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، الدينية، الثقافية)، ثم يتطرق إلى السيرة الذاتية للشاعر، ليتفرغ، بعد ذلك، لدراسة سبع قصائد، من خلال مسطرة تحليلية ترصد بنية كل قصيدة (أقسامها وأغراضها)، تراكيبها (البلاغة، النحو، الروابط)، معجمها. يغلب غرض الفخر، على اختلاف تجلياته، على القصائد موضع الدراسة ؛ وعندما يطغى غرض آخر على أبيات محدودة في إحداها، يبذل الكاتب جهدا فكريا موفقا تبريرا لدور "التهيئة" الذي تلعبه هذه الأبيات قبل الخوض في غرض الفخر، وإبرازا لمكامن التماس معه.
يمتاح الكاتب، من وقت لآخر، من التراث العربي الأصيل ما يعضد به تحاليله وآراءه، فيكتشف القارئ أن لهذا الكاتب باعا شنقيطيا في علوم اللغة العربية وآدابها.
من النادر جدا أن يستعين أخصائيو الأدب بالمقاربات الكمية، كروافع لأفكارهم وآرائهم ؛ لقد وفق الكاتب عندما قام بعملية إحصائية أكد من خلالها أن 66,216% من الفخر لدى عنترة بن شداد تتعلق بشجاعته، و 19,918% بقيمه الأخلاقية، و 14,864% بخصال قومه ؛ أي ما مجموعه 99,998%. ومن الشجاع والمبدع والجميل، محاولة الكاتب استنطاق هذه النسب المئوية في إطار بحثه الأدبي.
في ما يلي، سبعة أبيات(بيت من كل قصيدة)، فتحا لشهية القراءة :
١- يا عبل أين من المنية مهربي # إن كان ربي في السماء قضاها ؛
٢- وللموت خير للفتى من حياته# إذا لم يثب للأمر إلا بقائد ؛
٣- إذا كان أمر الله أمرا يقدر # فكيف يفر المرء منه ويحذر ؛
٤- وأسعدني الزمان فصار سعدي # يشق الحجب والسبع الطباقا ؛
٥- وَكَم مِن فارِسٍ أَضحى بِسَيفي# هَشيمَ الرَأسِ مَخضوبَ اليَدَين ؛
٦- ألا يا غراب البين لو كنت صاحبي # قطعنا بلاد الله بالدوران ؛
٧- فرشدي لا يغيبه مُدام # ولا أصغي لقهقهة القناني.
يعتقد الكثيرون أن جملة التساؤلات التي يولدها العمل الأدبي في ذهن القارئ، تشكل دليلا على جودة هذا العمل وأصالته ؛ في هذا الإطار، أود أن أتطفل بما يلي :
١- انطلاقا من محتوى الأبيات أعلاه، هل يستقيم منطقيا أن تكون القصائد السبعة منسجمة زمانيا وأنثروبوليا ؟
٢- إن تكرار التطبيق لنفس المسطرة التقويمية على قصائد موحدة الغرض، قد يساهم في التقليل تدريجيا من عنصر المفاجأة لدى القارئ.
٣- هل أنجبت "أرض المليون شاعر"، من ضاهى عنترة بن شداد في غرض الفخر ؟ وإذا كان الجواب نعم، فما هو السر في اختيار الكاتب للشاعر الجاهلي ؟
ملاحظة : عندما أجد الوقت لذلك، أهوى التعليق كتابيا على المؤلفات التي أهديت إلي والتي أعجبني محتواها، وذلك شكرا وتشجيعا واحتراما لأصحابها، وتعريفا عليها.
إسلك أحمد إزيد بيه
رئيس جامعة سابق.