انتهت الانتخاباتُ الرئاسيةُ وحمْلتُها الدعائية، وأُعلنت نتائجُها الرسميةُ شبه النهائية. ورغم ما شابَهَا مِن خروقات وضغوط وتدخلات تستدعي التحفظَ على النتائج، فإنه ينبغي التسليم بها دون تردد ولا تسويف، حفاظاً على الأمن العام وصوناً للسكينة المجتمعية وحرصاً على انتظام الحياة اليومية.
كما ينبغي تهنئة المرشح الفائز الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وتهنئة الشعب الموريتاني - بموالاته ومعارضته معاً - على خوضه غمارَ «اللعبة» بروح إيجابية ملحوظة على مدى أسبوعين من الحملات الدعائية.
إنها بالطبع انتخاباتٌ أقلُّ مِن المأمول ديمقراطياً بكثير، لكنها في الوقت ذاته تمثل انعكاساً لواقعنا الفعلي؛ أي لدرجة نضج المجتمع وتطورِ وعيه ولِمنسوب الشعور بالمسؤولية لدى سلطته الرسمية.. إنها صورتُنا الحقيقية بعد ستة عقود على قيام الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ونحن الآن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، لذا لا مَفر مِن تَقبُّلِها والتأقلم معها كما هي في الواقع «فعسى اللَّه أن يأتي بالفتح أو أمر مِّنْ عنده».
وعلى الرئيس المنتخب لمأمورية جديدة أن يكون رئيساً لسائر الموريتانيين دون استثناء، وأن يعمل من أجل تحقيق منجزات تنموية حقيقية ومقنعة وذات قيمة كبرى، من شأنها أن تضيِّق دائرة الفقر وأن تقلص مساحة البؤس وأن تبث شعوراً بالطمأنينة والتفاؤل بين الأغلبية الشعبية الهشة. وهذا يتطلب بالضرورة إبعادَ بطانة السوء قاطبةً، والتخلصَ من رموز الفساد جميعاً، والقطيعة التامة مع ممارسات الماضي.. ضماناً لإيجاد «موريتانيا جديدة» تنعم بالأمن والطمأنينة والازدهار والعيش الكريم لأبنائها كافةً، دون تفاوت ولا تمييز ولا غُبن.
كما ينبغي التوقف فوراً عن حملات التشويه والشيطنة الجارية على قدم وساق بحق المرشح الرئاسي والنائب البرلماني بيرامه الداه اعبيد، الذي صوَّت له قرابةَ ربع مليون من الناخبين الموريتانيين، بإرادتهم الحرة، دون ضغوط ولا إغراءات، والذي أظهرَ مواقفَ معتدلة وتصالحية ينبغي استثمارُها لصالح تجذير السلم الأهلي وترسيخ قواعده وليس لإشعال استقطاب شرائحي، لا يتحمله البلد، عبر حملات الشيطنة والتشويه بحق الرجل.
إن الأذى الأكبر الذي يَلحق بالوحدة الوطنية، وبقوة البلد وتماسكه الداخلي، وبرئيس الجمهورية نفسه، إنما يأتي من مراكز الفساد العام، أي قوى الزبونية والرشوة والقبلية والتجريف المنظم لمقدرات البلد على أيدي نخب أمَّنت لنفسها حياةً مريحة في الخارج على حساب الوطن وفقرائه ومعدميه.. وليس من بيرام وأنصاره إطلاقاً. وهذا ما ينبغي أن يعيه الرئيس المنتَخب، كما ينبغي أن يعي أن أشدَّ معارضيه أرأفُ به من بطانته جميعاً. ومثل هذا الكلام (الناصح الأمين) سبق أن وجَّهناه هنا لولد عبد العزيز حين كان متربعاً بقوته وجبروته على عرش السلطة، وكانت تتحلق حوله ذات البطانة الحالية لولد الغزواني نفسه! فهل مِن مُعتَبِر أو مدّكر يدرك أهميةَ نعمة الأمن وضرورة الحفاظ عليها، ليس بخشونة اليد الأمنية ولا بالتجييش الشرائحي، وإنما بنعومة يد العدل والإصلاح والوحدة، لصالح الوطن ولصالح أهله جميعاً دون استثناء!
هنيئاً للوطن وهنيئاً للرئيس الغزواني.