في إحدى مسوغاته لإنقلابه االأخير على سلفه الرئيس الأسبق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله قال الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في حديث عفوي مبررا تلك الثورة الشخصية "كانْ لاهِ إخصرْ مستقبلِ"!!!
تعليق طريف صادق يعكس شخصية الرجل الميكافيلية ، حيث يقدم مصالحه الخاصة على مصلحة بلد بأكمله ، ومهما كانت العواقب.
شخصيا أحسد –أغبط على الأصح- من أوتوا سعة في الأخلاق ورحابة الصدر وبرودة الأعصاب والحنكة والهدوء ، والإبتعاد عن الأضواء والضوضاء.
أحد الذين تشرفت بتربيتهم لي والإشراف على تكويني الشخصي كان رحمه الله يبادرني حين أنزعج أو أغضب بالقول "إِنْتَ شِمَوْنْكَكْ؟" ، رد كان يغيظني أكثر ، لكني أتأمله الآن كحل سحري لكل ثورة غضب.
لقد صبر الرئيس الحالي أزيد من عقدين من الزمن تحت الحكم الفظ لرفيق الأمس -حتى لانسيئ للصداقة- ، وبعد أن دُفع إلى الترشح دفعا قبِل أن يستلم من الوكًاف "وكًاف حانوت إدويره" بلدا مدمرا ، وموارده حبر على ورق.
إن فساد العشرية السوداء أسوأ من كل فساد فقد طال ثروة الأجيال ومدخراتها في الماضي والحاضر والمستقبل البعيد.
إن مقدرات موريتانيا اليوم في البر والبحر مرهونة للشركات والشخصيات الحقيقية والوهمية لعشرات السنين ، وحتى يتم استرداد جزء يسير مما ضاع نحتاج ثورة قيم حقيقية، نحتاج مصالحة مع الذات ورصا للصفوف ونبذا لكل أشكال التفرقة أو التردد أو الحياد.
أمام مسار البلد الجديد –مسار العدالة والمساءلة- تحديات جمة؛ أولها التشاؤم الذي صار لازمة يعزف عليها المثقفون وأنصاف المثقفين والجهلة والمرجفون في المدينة ، ومن استسلموا لليأس ، وكأن واقعنا مصير محتوم ، أو قضاء نازل من السماء لا مهرب منه ولا مرد له.
التحدي الثاني بقية أنصار وشِيعة صعاليك العشرية ، وأصحاب المهمات الرمادية والأقلام القزمية التي أجرها المال الحرام للعزف نشازا على أوتار القبلية والجهوية ، ومحاولة حرف قطار العدالة عن سكته.
من مفارقاتنا اليوم –وما أكثرها- أن سارق رغيف الخبز ، وقنينة الغاز، وسَقَطِ المتاع يقبع في الزنزانة ، بينما لصوص الوطن وناهبوا ثرواته بأكملها تنحني أمامهم الهامات قداسة ، ويهابهم الجميع ، ومساءلتهم يحسب لها ألف حساب!!!
لقد تم سجن أغلب رؤساء موريتانيا السابقين ، وعلى رأسهم المرحوم المختار ولد داداه ، لا لصفقات مشبوهة منحوها ، أو مال نهبوه حاشا، بل لمجرد الإطاحة بهم من السلطة ، فكيف بمن أحرقوا الأخضر واليابس ، وعاثوا في الوطن فسادا ونهبا.
إن الطيف السياسي اليوم موالاة ومعارضة يمينا ويسارا ووسطا مطالب بهبة وطنية جامعة، تطالب بإطلاق يد العدالة ، وإنفاذ الدستور والقوانين المعطلة ، وتغليب مصلحة الوطن التي هي فوق كل الاعتبارات.
الوطن بحاجة لوقفة صادقة في هذا الظرف الحساس حتى يستقيم الميسم ، ونجدف جميعا مع تيار رياح التغيير الذي نصنعه جميعا بتلاحمنا ووعينا ، فقديما قيل: (لاتوجد رياح مساعدة لمن لايعرف أين يسير).
ختاما نرجو من الضبطية القضائية وهرم عدالتنا الموقرة التركيز في البحث عن العمولات والإغراءات التي رافقت منح كل الصفقات الضارة بالبلد وما أكثرها ، تمهيدا لمراجعتها أو الدفع ببطلانها أمام القضاء المختص ، وما ضاع حق وراءه رجال.
محمد محمود إسلم عبد الله