يعود شكل النظام العقاري الموجود اليوم في معظمه إلى القرن السادس عشر عهد سيطرة عشيرة دنيانكوب Deeniyanikcoob وشهد بعض التنظيم خلال القرنين الثامن والتاسع عشر في عهد المامي. ويمكننا استخدام المنهج التاريخي من إبراز الأحداث التي رسمت تحولات المسألة العقارية في الضفة المتوسطة من غزوات متتابعة وتنقلات السكان والتقسيمات الإقليمية والتحولات المناخية والجغرافية.
أصناف الملكية الزراعية التقليدية قبل الإستعمار
ترجع معظم التقاليد تاريخ أصول الملكية العقارية في فوتا Fouta Toro إلى غزو كدي تيكلا KEDI TEUGUELLA في نهاية القرن السادس عشر حيث وجد سهول خصبة تمتلكها مجموعات ضعيفة وشرع في تقسيم الأراضي على جيشه ومرافقيه وترك جزءا قليلا للسكان الأصليين بعد إخضاعهم. وبعد سقوط نظام الثورة الثيوقراطية أدخل سليمان بال نظام المامي (1776 – 1891) وكان أول قائد أدخل تغييرات على النظام العقاري تمثلت في تقليص ملكية سابقيه وتوزيع الأرض على رؤساء جيشه والأسر الكبيرة وبعض رجال الدين وهو معروف حسب التقاليد المحلية بتقسيم فوتا سنة 1790.
وظلت التحويرات الداخلة على النظام العقاري محدودة حتى الاستقلال، وقسمت الأرض جميعها على سبع فئات وهي آردو Ardo دیوم Diome كامليتكو kkmalinkou تثيرينا Thurra اليمان Elimane فريا Fertia و أخيرا تين téne.
يحتفظ أبناء هذه الفئات بحق الملكية، وخلال الفترة التاريخية الطويلة تحولت ملكية بعض هذه المجموعات إما غزوا أو غصبا، والبعض الآخر كانت أراضيه تحتوي على غابات كبيرة وبالتالي كان من اللازم لتحضيرها للزراعة الاستعانة بمجموعات أخرى كان لها فيما بعد نصيب من الأراضي المهيأة وإما منحة تحولت خلال العصور إلى ملكيات. ولذلك فإن الملكية التقليدية تعتبر ملكية جماعية لا يحق لأي فرد التصرف فيها بمفرده حيث يعتبر أي تصرف خارج الجماعة تعديا على قوانينها وتحطيما لقيمها وهيبتها الاجتماعية لأن ذلك يؤدي إلى ضياع المال الذي ورثه الخلف عن السلف فلا يوجد فرد يحمل حقا من حقوق الملكية على تلك الأرض ولا تملك العشيرة إلا حق الانتفاع. وهكذا يكون الانتماء إلى القبيلة أو المجموعة التقليدية الواحدة الشرط الأساسي للاستمتاع بالحقوق.
وبالتالي فمن الطبيعي أن تطبع الملكية العقارية الزراعية في هذه المجتمعات بطابع التدرج الاجتماعي البارز ولذلك تميزت أصناف الملكية العقارية التقليدية في الضفة المتوسطة لنهر السينغال بما يلي:
طرق الحصول على الأرض
هناك طريقتان للحصول الأراضي تتمثلان في طريقة الحصول على حق الملكية وطريقة الحصول على حق منح الأراضي:
طرق امتلاك الحق العقاري:
هناك أربع طرق لامتلاك الحق العقاري ظهرت منذ السكان الأصليين وحتى المامي في القرنين 18و19:
- الحق المرتبط بالغزو حيث أن امتلاك الأرض يتم بعد تخلي العدو عنها
- الحق الناتج عن عطاءات.
-حق امتلاك بواسطة الورثة ندوني NDONU و الذي عمم بعد ثورة المامي وهو مرتكز على الحقوق التي أعطاها الإسلام للورثة وحسب بعض الدراسات فإن ذلك من الأسباب التي أدت إلى تقليص أعداد القطع المزروعة.
هذه الطرق في إكتساب الحق العقاري يكون فيها مالك الأرض هو صاحب التصرف فيها بيعا أو هبة أو مزارعة أو هدية، ومن هذا القبيل تعتبر أغلب الأراضي المحاذية للنهر ملكيات تابعة لأمراء وشيوخ ورؤساء قبائل يتلقون تعويضات عن استغلالها. ويشير في هذا المضمار بويكر كوليبالي Coulibaly Bocar إن المجموعة التقليدية دنياكوب (Deeniyatnikoob) المذكورة سابقا كانت تقدم عطاءات سنوية لصالح مختلف المجموعات التقليدية مقابل بعض الحصاد.
- الحق المرتبط بالإحياء الأولي للأرض الذي يتمثل في نزع الأشجار إما بالفأس (JAMBERE) أو بالحرق (JEYNGOL ). ويحتفظ المنتفع بهذا الحق بصفة دائمة ولكن يدفع المالكي الأرض ضرائب متعارف عليها في المنطقة بعد ثلاث سنوات من الاستغلال.
أنماط الإستغلال
يمكن تمييز ثلاث علاقات متعلقة بالأرض، فهناك مالكون للأرض يستغلون حقولهم مباشرة وهناك المالكون للحق الزراعي فقط وهم متحصلون عليه عن طريق عمليات إحياء ويورثون هذا الحق لأبنائهم وفي الأخير المجموعات التي الانملك الحقول .
- الإستغلال المباشر:
خضع نظام الإستغلال المباشر في الضفة المتوسطة أولهما مرتبط بملاك الأرض والثاني متعلق بالإحياء :
- مالكو الأرض يزرعون حقولهم بصفتهم أعضاء يجمعهم نسب واحد (LENO ) ويكون الأكبر سنا في المجموعة هو الذي يراقب الأراضي، وتعرف أراضيهم بأسم ليدي انجياندي (Leydi njey aandi) أو الأراضي المملوكة.
- المالكون للحق الزراعي عن طريق الإحياء: يشبه نظام هذه الفئة طرق الإستغلال المباشر متحصلون على الأراضي من طرف مالكي الأرض مقابل تهيئتها، ولا يحق له منعهم من زراعتها ويتوارثون هذا الحق وهذه الأراضي معروفة ب ليديا نجيماندي (Leydi njimandi) ويدفعون بصفة منتظمة حق الانتفاع من الأرض ولا يمكن نزع هذا الحق منهم وهذا ما جعل بعض الدارسين يتحدثون عن نظامين للحق العقاري داخل نهر السنيغال. وتشبه هذه الأرض في نظام استغلالها الأحباس العمومية وأحباس الزوايا في تونس المتكونة من ملكيات جماعية مستغلة من قبل السكان المستقرين عليها طبقا للعرف المسمى "جداری" والذي يمنح المتسوغ وأحفاده حق البقاء على الأرض واستغلالها مقابل قيمة كرائية ضعيفة وقارة
- الإستغلال الغير مباشر
عرفت الضفة المتوسطة أنواع عديدة من الإستغلال الغير مباشر تستفيد منها المجموعات التي لا تتوفر على أي حق من خلال كراء الأراضي إما من مالكي الأرض أو من المالكين للحق الزراعي مقابل ضرائب معينة. وهنا نشير إلى أن كراء الأراضي لا يقتصر على المجموعات التي لا تمتلك الحق الزراعي والمالكين بل نجد أن هذين الصنفين يلجآن في بعض الأحيان إلى كراء الأراضي لاستراحة أراضيهم أو لتخفيف الضرر الذي ربما تلحقه الظروف المناخية السيئة بها، ويمكننا تمييز أنواع الإستغلال الغير مباشر التي ظلت سائدة لقرون عديدة ومازال بعضها شائع في الضفة المتوسطة، تختلف حسب العقد بين مالك الأرض والمستغل:
-انديولدي Ndioladi: هو إستغلال الأرض مقابل إتاوة عقارية تدفع في بداية الموسم الزراعي لمالك الأرض بعد رجوع الماء عنها وهو حق سنوي يختلف حسب مساحة ودرجة خصوبة الأرض.
-تيكو Thiogo: هو سعر كراء سنوي يدفعه مزارع ما مقابل زراعة حقل تعود ملكيته إلى شخص آخر.
- آساکال Assakal: هو تحريف لكلمة الزكاة وهو عشر المحصول ويسمح للمامي بالتدخل في النظام العقاري و هو بالتعريف حق موجه لبيت مال المسلمين ينفق حسب المصلحة العامة ولكنه أصبح يضاف إلى الضرائب التي تحمي على استغلال الأرض لمالكيها.
-تيوليكو Thiouligou: وهو الحق الذي يدفع لمالكي الأرض بعد وفاة الحائز على حق الزراعة لحقل أو حقول عديدة وهو واجب على الورثة مقابل احتفاظهم بحق الزراعة ومقداره متعلق بدرجة خصوبة هذه الحقول.
أما عن طريقة دفع الإتاوات، فقد ظلت إلى وقت قريب تبادلية وغير نقدية فمثلا بدفع مقابل استغلال سهول صغيرة معزاة أو نعجة، وثورا أو التين للمساحات الكبيرة، وعندما يكون المستغل من فئة الصناع بدفع إتاوة ندولدي دائما على شكل منتوج من المنتجات التي تنتجها هذه الفئة ولم تدخل النقود إلا في بداية السبعينات نتيجة الجفاف الذي أدى إلى هلاك معظم المواشي.
هذا وقد عرف النظام العقاري التقليدي السابق عدة تغيرات أثناء فترة غزو القبائل البيضائية وخاصة إمارة أولاد عبد الله (لبراكنة) بمناطق الضفة الوسطى بعد سيطرتهم عليها حيث فرض عليهم الأمير دفع حق دائم يساوي 80 كغ من الدخن على كل فرد، كما أصبحت إتاوة آساکال assakal وانديولدي Ndioldi تدفعان إلى الأمير.
المصدر: محمد أحمد ولد السيد، الماء والفلاحة في الضفة الموريتانية المتوسطة من نهر السنيغال، أطروحة دكتوراة، جامعة تونس، 2005، ص188- 194