التابع السياسي لا يقبل الفطام، بل لا يقبل(اتغيدين)، وهو فطام الليل، الذي تمهد به الأم لفطام ولدها نهائيا..
قصعة التابع لا تجف، وطعامها لا يقل، وسيل الدراهم المتدفقة إليه لا ينقطع..
كل حيوانات الدنيا تشبع، وتقول قطني، وإذا زادت على حمولة بطنها ماتت بالشبع الزائد..أما التابع السياسي فمثل جهنم، كلما امتلأ بطنه اتسع، وقال هل من مزيد..وإذا توقفت الزيادة قال للمتبوع: ما رأيت منك خيرا قط..
مساكين..
الزعماء السياسيون يسعون في تحقيق مآرب المستمنِحين بزائف المحبة، وكاذب المودة، بالهِبات العينية، والتسميات، والترقيات، ينفقون عليهم بسخاء من لا يخشى الإقلال، وهم يدركون زيف ولائهم.
مجانين..
التابعون السياسيون يقبضون ثمن أنفسهم مهرا معجلا، غير مؤخر، مضاعفا، غير منقوص، وإذا استووا على سوقهم، وقدروا، غدروا، وخذلوا، وولوا أفواههم شطر ضروع أخرى ليرضعوها، ثم إذا انكمشت عابوها، وهجروها، وتراهم يحاضرون في قيم الشهامة، والوفاء، والكبرياء..
قال لي إبليس: كن غبيا أيها الرجل، فغباء أن لا تكون غبيا، واعلم ألا بركة في مال السياسة، لأنه لا يمكث في الأرض، ولا تصان به مروءة، ولا تُنال به فضيلة ولا رغيبة، لذلك أوهمتهم أن إتلاف الموجود جالب للمضاعف المفقود، وبه يشتد إحكام قبضة التسيد والتصيد، حتى يأتي اليوم الذي فيه يفتقرون، فتتفرق عنهم حلق المنافقين، وينكص الجمع-متبوعين وتابعين- على أعقابهم شعثا، غبرا كسيدان أودية العطش...
وبهذا خرجت السياسة جيلا من الساقطين مجدبة أخلاقهم، خفيفة حلومهم، لا حظ لهم من وطنية، ولا نصيب لهم من وعي، ولا مروءة، إذا حدثوا كذبوا، وإذا خاصموا فجروا، وإذا وعدوا أخلفوا، فصعدوا المنابر، وتصدروا المشاهد، وكلما ازدادوا هبوطا، سمتهم الناس ذادة وسادة، وأصحاب إرادة وريادة..
وخذ مني أيها الغبي- وإني في هذي لصادق-أن السلاطين من قديم الزمان يحترمون معارضيهم، ويحتقرون مناصريهم، ويكرهون متملقيهم، ويجعلون منهم مادة للتنكيت والسخرية في مجالسهم الخاصة...